في الذكرى الـ (14) لتفجيرات عمان : الأردن يتبنى استراتيجيات شاملة في مكافحة الإرهاب

حرير_شكلت تفجيرات عمان التي استهدفت ثلاثة فنادق في العاصمة عمّان هي (حياة عمان ،راديسون عمان(سابقا)،ديز إن)، وذهب ضحيتها 60 شهيدا،ونحو مائتي جريح ،في اليوم التاسع من تشرين الثاني للعام 2005،منعطفاً تاريخياً على أرض المملكة، إذ خرج الأردن منها أكثر قوة عالمياً في مكافحة الإرهاب باتخاذ عدد من الإجراءات التشريعية والاحترازية والوقائية، بحسب خبراء ومختصين.

وبين الخبراء في الذكرى ال(14) لتفجيرات عمان التي تصادف يوم غد السبت، أنه ما من مؤسسة دولية إلا وأشادت بالدور الأردني في مكافحة الإرهاب والتطرف، كما وأن الخطاب الأردني مكّنه في أن يتعاطى مع حالة الفوضى في الإقليم وما تبعها من تطرف وإرهاب، لدرجة أن الأردن يوصف بتمتعه بحالة استقرارية سياسياً وأمنياً تفوق قدراته الاقتصادية والمالية.

وكان جلالته قد خاطب العالم في ذكرى تفجيرات عمان عبر (تويتر) العام الماضي قائلا، “‏تفجيرات عمان الأليمة أظهرت للعالم مقدار قوة شعبنا في وجه كل من يحاول تحدي إرادته، وتهديد عقيدته وأثبت عبرها الأردنيون، كما أثبتوا مرارا، أنهم أهل العزيمة الصلبة والنخوة والصمود، وأن أردن التسامح والإخاء قوي منيع بأبنائه وبناته الذين لن تتمكن قوى الشر من أن تهزمهم أو تثني عزائمهم”.

وقال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الاردنية الدكتور حسن المومني أن ذكرى تفجيرات عمان استدعت، الكثير من التطورات في سياق مكافحة الإرهاب والتطرف بغض النظر عن هوية الإرهاب سواء أكانت أيدولوجية أو دينية.

وبين أن الأردن انتهج سياسات واستراتيجيات شاملة ترتكز على أهداف واضحة في مكافحة الإرهاب والتطرف من خلال توظيف الوسائل والخطط ، تجمع أدوات فكرية وخطابات معتدلة تتعاطى مع الحالة التطرفية، كرسالة عمان، إضافة إلى وسائل قانونية، تم من خلالها تطوير القوانين في مكافحة الإرهاب، كما وتم تطوير المناهج واستخدام الإعلام كوسيلة للتوعية.

وأوضح المومني أن الاستراتيجية لم تعتمد على الجانب الأمني فحسب ، وإنما اعتمدت على جوانب وأدوات لها علاقة في المجالات الفكرية والقانونية والمنظومة الأخلاقية، إضافة إلى خطاب أردني عالمي في مكافحة الإرهاب، والدور المؤسسي في التعاطي مع خطر الإرهاب وإحباط العمليات الإرهابية، ودوره الفاعل إقليمياً وعالمياً في مكافحته.

وأضاف أنه نتيجة لذلك اكتسب الأردن السمعة الدولية في مكافحة الإرهاب ، وينظر إليه باعتبار أنه جزء من الحل لا جزء من المشكلة، إذ أن الأردن قدم نفسه كقاعدة فكرية توعوية وأمنية في مكافحة التطرف والإرهاب، مشيراً إلى مشاركته في معظم النشاطات الدولية المتعلقة في مكافحة الإرهاب، وعضو فاعل في المواثيق والمعاهدات الدولية في مكافحته.

واستدل الدكتور المومني على حالة الإستقرار في الإردن، بأنه من أقل الدول تعرضاً للإرهاب رغم وجوده في إقليم ملتهب ، كما أنه من أكثر الدول قدرة على إفشال الكثير من المخططات الإرهابية، ومن أكثر الدول مساهمة في مكافحة الإرهاب إقليمياً ودولياً.

وأشار إلى أنه ما من مؤسسة دولية إلا وأشادت بالدور الأردني في مكافحة الإرهاب والتطرف، كما وأن الخطاب الأردني مكّنه في أن يتعاطى مع حالة الفوضى في الإقليم وما تبعها من تطرف وإرهاب، لدرجة أن الأردن يوصف بتمتعه بحالة استقرارية سياسياً وأمنياً تفوق قدراته الاقتصادية والمالية.

وقال العميد الركن المتقاعد وأستاذ علم الجريمة الدكتور مطلق عواد الزيودي، من اليوم الثاني لتفجيرات عمان ظهر الأردن أقوى حيث وجه الملك عبدالله الثاني كلمة للشعب الأردني أكد فيها أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الأردن إلى مثل هذه الاعتداءات الإرهابية الجبانة، وأن الأردن مستهدف أكثر من غيره لعدة أسباب ومنها دور الأردن الكبير في الدفاع عن جوهر الإسلام السمح، وبأنه دين الاعتدال والوسطية والتسامح ومحاربة الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء باسم الإسلام، والإسلام منهم براء وكذلك دوره في الدفاع عن القضية الفلسطينية والمقدسات الاسلامية ووقوفه الى جانب الشعوب التي تناضل من اجل الحرية، وحقها في تقرير مصيرها وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الشقيق.

وأضاف المحاضر السابق في المركز الاردني لمكافحة التطرف الفكري الدكتور الزيودي، أن تفجيرات عمان شكلت منعطفا هاما في القوانين والتشريعات الأردنية ضد الإرهاب بكل أشكاله، فالأردن وبعد تفجيرات عمان المؤلمة، تنبه لوضع العديد من الإجراءات الاحترازية والوقائية ضد الإرهاب، والتعاون مع كافة الجهات المختصة الداخلية والخارجية لقتل آفة الإرهاب التي دخلت الأردن المرابط المدافع عن هويته القومية والاسلامية.

وأشار إلى أن تفجيرات عمان شكلت بداخل كل اردني تحديا وشعورا بالمسؤولية تجاه الوطن ورسّخت مفهوم المواطنة وعززت مبادئ الوسطية والاعتدال والوعي الذاتي وزادت الثقة بين المواطن والدولة وأجهزتها المختلفة ليكون الأردن دوما حصنا منيعا في وجه كل مخرب أو حاقد وهو الحصن الذي يلوذ به ابناء الامة كلما اشتد الخطب واشتد الظلام.

وأوضح الزيودي أن الأردن اتخذ عدداً من الإجراءات المشددة في مكافحة الإرهاب وبخاصة بعد تفجيرات عمان منها المجال التشريعي، بإصدار قانون معدل لقانون العقوبات الأردني هو (قانون منع الإرهاب عام 2006 ) بهدف حصر النصوص القانونية المتعلقة بقضايا الإرهاب في قانون واحد، وليجاري القانون التطورات التي تعيشها المنطقة والعالم، والتطورات التي شهدتها وسائل الاتصال الحديثة، وعُدل هذا القانون في العام 2014 ، فأعيد تعريف الإرهاب ليتوسع في تجريم جملة من الأعمال على اعتبارها أعمالاً إرهابية، كما غلّظ العقوبات على الأعمال الإرهابية وفرض بموجبه عقوبات مشددة على أي فعل يعد في نظر القانون عملاً إرهابياً، وتجريم الأشخاص الذين يشكلون مجموعات بقصد الإرهاب، تم تعديل القانون لمرة ثالثة ( بالقانون المعدل لقانون منـــــع الإرهاب لسنة 2016) حيث اعطى صلاحيات واسعة للحكام الاداريين والاجهزة الامنية والعسكرية في مواجهة الاعمال الارهابية. واضاف انه على مستوى الإجراءات التنفيذية أصدرت الحكومة الأردنية تعليمات إلى كافة البنوك العاملة في المملكة تتضمن التقيد بفحص حسابات عملائها والتأكد من تجميد الأرصدة عند طلب الحكومة، وتعليمات خاصة بمكافحة غسل الأموال، كما تقوم الأجهزة الأمنية الأردنية بإجراء عمليات لتبادل المعلومات الاستخبارية بما يخدم مكافحة الإرهاب مع العديد من الدول الصديقة ومع (الانتربول)، كما تجري بعض تلك العمليات ضمن العديد من الاتفاقيات الثنائية للتعاون الأمني، وتقوم الأجهزة الأمنية بمراقبة بيع وشراء المواد الأولية الداخلة في صناعة المواد الخطرة لضمان عدم استخدامها لغايات إرهابية.

وبين الزيودي انه على مستوى المعاهدات والاتفاقيات بموضوع مكافحة الإرهاب، قامت الحكومة الأردنية بالانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية، منها اتفاقيات قمع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص، والاتفاقية المتعلقة بالجرائم على متن الطائرات وغيرها.

واشار انه على المستوى المؤسسي قامت الحكومة بإنشاء عدد من المراكز والمديريات المعنية بمواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب وذلك تفاعلاً مع مضامين الخطة الوطنية لمكافحة التطرف، والظروف المحلية والاقليمية المتعلقة بنمو وتمدد التطرف والإرهاب، ومن أهم هذه المراكز والمديريات: مديرية مكافحة التطرف والإرهاب،التي أنشأت لمتابعة تنفيذ الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية بتنفيذ الخطة الوطنية لمواجهة التطرف الصادرة عام 2014 ، ومركز السِّلم المجتمعي في العام 2015 كأحد مشاريع الخطة الإستراتيجية لمديرية الأمن العام في مكافحة الفكر المتطرف ، وفي 2017 تم انشاء المركز الأردني لمكافحة التّطرّف الفكريّ هو مركز أكاديمّي بحثّي متخّصص بدراسات الفكر المتطّرف ومكافحته، تابع للقوات المسلحة الاردنية. واضاف الزيودي ان الحكومة الأردنية اعدت في العام 2014 خطة وطنية لمواجهة التطرف وذلك على وقع تمدد التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم، وخاصة عصابة “داعش” الإرهابية التي بلغت أوج إنتشارها في العام 2014.

وبين الزيودي أن استراتيجة مواجهة التطرف والإرهاب الأردنية ترتكز على رؤية جلالة الملك المعظم، وفق ثلاثة أبعاد، البعد الأول: على المدى القصير، ويتمثل بالأعمال العسكرية التي تنفذ ضد الجماعات الارهابية والمتطرفة، والبعد الثاني: على المدى المتوسط، وهو بعد أمني استخباراتي مع الدول الشقيقة والصديقة، والبعد الثالث: على المدى الطويل، وهو البعد الفكري الذي يهدف تحصين الفرد والمجتمع من افات الفكر المتطرف.

وقال الزيودي ” ان دور الاردن كانموذج في مواجهة الارهاب وهو في وسط هذا الاقليم الملتهب، هو الذي اعطاه مصداقية دولية واقليمية يتمثل بالموقف الاردني الثابت والراسخ والمعلن وعلى كافة المستويات والمتمثل قي عدم إيواء جماعات إرهابية على الأراضي الأردنية وعدم التعاون مع أي جماعة من هذه الجماعات الارهابية وكذلك رفض أية مفاوضات أو أية مطالب للجماعات الإرهابية بما في ذلك عدم استقبال أية طائرات مختطفة ومتابعة وملاحقة جميع العناصر الإرهابية إن وجدت والتعاون مع الدول والأجهزة الأمنية في الدول الصديقة في جمع المعلومات وتبادلها حول الإرهاب بكافة أنواعه ومجالاته”.

وأشار إلى ما أكد عليه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في جميع خطاباته امام العالم في المحافل الدولية على أهمية توحيد الجهود الدولية والعمل بتشاركية من أجل مواجهة خطر التطرف وخطاب الكراهية، والتوصل إلى حلول للتصدي لاستغلال المتطرفين والإرهابيين للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن “محاربة الإرهاب الذي لا دين له يجب أن تكون ضمن نهج شمولي، يعالج المجالات العسكرية والأمنية والفكرية”.

وبين أهمية السلم المجتمعي، إذ يعبر عن حالة السلم والوئام داخل المجتمع وان تعزيز السلم المجتمعي ونبذ التطرف والارهاب في المدارس والجامعات، والذي يتطلب منا إعادة تثقيف الطلبة على أسس التسامح ونبذ العنف والإرهاب وتقليص الفجوة الواسعة بين الجامعة والمجتمع والتاكيد على نبذ التعصب والكره والتشدد والخوف من الآخر وإتاحة الفرصة للفكر النقدي وعدم فرض النظرة الأحادية وتقبل الآخر المختلف إثنيا وقوميا ودينيا ، مع السعي لإدخال مادة التعايش السلمي في مناهج الجامعات والمدارس الرسمية والخاصة وإقامة مؤتمرات وندوات عنها وتعزيز مادة حقوق الإنسان وإشراك منظمات المجتمع المدني وتأكيد دور المرأة في بناء المجتمع المبني على السلام.

ودعا الدكتور الزيودي إلى إنشاء ناد للسلم المجتمعي داخل الجامعات والذي تتمثل رؤيته بتنفيذ مبادرات مختلفة تنبذ الظواهر الاجتماعية السيئة التي تهدد أمن المجتمع، مع التركيز على دور الأستاذ الجامعي في هذه العملية وضرورة تفعيله إعلاميا لنشر هذا الفكر وانتقاله من الجامعة إلى المجتمع، مما يؤدي الى تغيير اتجاهات الطلبة الذين يتخذون من أساتذتهم قدوة لهم، فالطالب يأخذ اتجاهاته من أستاذه مما يؤدي الى تعزيز السلم المجتمعي والرقي وبناء الحضارة التي نريد وبالتالي تحقيق الامن والاستقرار في المجتمع.

وبين أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك الدكتور عبد الباسط العزام،أن مكافحة الأفكار غير المتوافقة مع طبيعة قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، يتطلب تضافر كافة الجهود المجتمعية انطلاقاً من الأسرة ثم المدرسة ثم الجامعة ، ثم ضبط وتقنين آليات التواصل الاجتماعي، بحيث يتم من خلالها طرح قضايا عامة أمام الشباب لمناقشتها بحوار عقلاني مفتوح.

وأشار إلى أن الجامعة هي أهم محطة ضبطية في المجتمع ، إذ يتصدرها عدد كبير من الشباب الطلبة والأساتذة والموظفين، وبالتالي عليها دور كبير جداً في تعميق المسؤولية المجتمعية والعمل التطوعي الهادف لإشغال الشباب بالعمل التطوعي وتعبئة وقت الفراغ الكبير لديهم بالانتماء والمواطنة والتطوع في الخدمة المجتمعية.

وبين أن فئة الشباب هي أهم شريحة في المجتمع ولها أهدافها ووسائلها وهي فئة غير مستقرة، وعلى مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب سياسية ونقابات مهنية ومدارس وجامعات وجمعيات خيرية، أن تلعب دوراً كبيراً جداً في دفع الشباب للدخول إلى ميادين العمل التطوعي بمختلف المجالات، بما يخدم الصالح العام والقضاء على أوقات الفراغ، خصوصاً إذا ما تم افتراسهم من قبل قرناء السوء في المجتمع.

وأوضح العزام أنه لابد من تعميق آليات الثقة بينه وبين مؤسسات المجتمع المدني ، والابتعاد عن العصبية والعمل على نحو كل شيء مشترك بين المواطنين بما يؤدي إلى الثقة بالنفس وبالمؤسسات المجتمعية، وبما يؤدي إلى تجسيد معاني التضامن والتساند والابتعاد عن المصالح الضيقة والاتجاه نحو المصالح المشتركة ، بتغليب مبدأ العقلنة واتخاذ القرارات السليمة.

مقالات ذات صلة