كيف تفوّق الرزّاز على نيوزلندا في تحدّي الدقيقتين

حرير – جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزلندا، واجهت التحدّي الذي فرضه عليها فريقها، والمتعلّق باستعراض إنجازات حكومتها خلال العامين الماضيين، بدقيقتين فقط.
أرديرن التي ربّما لا تعرف رئيس الحكومة الأردنيّة، أطّلت على الجمهور من خلال بثّ فيديو، بدت فيه متفائلة بمستقبل بلادها، وهي تستعرض إنجازاتها بابتسامة المنتصر.. بصراحة ما كان لها أن تتباهى على هذا النحو لو قارنت ما ذكرته بالمنجزات الخارقة لرجل المرحلة الأفخم د. عمر الرزاز!
مسكين الشعب النيوزلندي، فقد “بلع” ما سوّقته جاسيندا دون منحه فرصة المقارنة مع دول أخرى.. ترى ماذا ستكون ردّة فعل الشارع النيوزلندي لو عرف القليل عن “منجزاتنا” التي يمكن استعراضها في أقل من ثوان معدودة، دون الحاجة إلى دقيقتين كاملتين.
أساسا رئيسة الوزراء، وقبل أن نخوض غمار المقارنة، لم تنجح في تحدّي الدقيقتين، فقد تجاوز البث المدّة المتّفق عليها بـ 56 ثانية، لاستعراض بضعة وخمسين منجزا فقط لا غير.
بداية تكفي حكومتنا فخرا أنّها بصدد إجراء تعديلها الوزاري الرابع، في حين يتمسّك النيزلانديّون بقادة مرّ على وجودهم أكثر من سنتين، دون النجاح بالاكتفاء بتغيير الوجوه، حفاظا على إرث النهج القديم المتجدّد، الذي لا يفنى ولا يستحدث ولا يخلق من العدم، كذلك الذي نتمتّع به في الأردن.
من الإنجازات التي تحدّثت عنها جاسيندا هي زيادة حصّة استقبال اللاجئين، وإنشاء هيئة بخصوص السكّان الأصليين، متناسيّة (وفقا لنظريّة المؤامرة) التفوّق الباهر للحكومة الأردنيّة في هذا الصدد، حيث نجحنا في توسيع دائرة اللاجئين لتشمل السكّان الأصليين، وفقا لقاعدة “أضرب عصفورين بحجر واحد”!
كما أن “المحروسة” تحدّثت عن محاربة خطاب الكراهية والإرهاب على الإنترنت، دون أن تعرف أنّنا منذ زمن ونحن نحارب كلّ أشكال الخطاب على الانترنت، فلماذا نحصرها في إطار خطاب الكراهية؟! وها نحن نحث الخطى على محاربة الإنترنت نفسه، باعتباره بدعة من عمل الغرب.
قانون المطبوعات والنشر، وقانون الجرائم الإلكترونيّة اللذين نمتلكهما يا سيّدة أرديرن لا يتركان لك مجالا لأي استعراض في هذا الميدان، فنحن من وقفنا بالمرصاد منذ البداية أمام هذه الشبكة العنكبوتيّة المسمّاة بالإنترنت، فـ “لايك” واحد على منشور ينتقد سوء الأوضاع الإقتصاديّة، أو ينتقد شخصيّة عامّة على تقصيرها، كفيل بتعريض صاحبه لتهمة القيام بما شأنها تعريض المملكة لأعمال إرهابيّة.. كيف لا ونحن نرهب الإنترنت ولا يرهبنا..
أمّا حديثها عن حرص الحكومة النيوزلانديّة على تدريس التاريخ في المدارس فمردود عليها، إذا أنّنا نحن التاريخ، ونحن من لايزال يعيش في بطونه حتّى اليوم، حتّى أن لدينا متحفا عظيما للديناصورات!
والآن دعنا نلقي نظرة على بداية استعراضاتها، فقد قالت أن نيوزلاندا وفّرت خلال سنتين 92 ألف وظيفة.. وهذا دليل صارخ على محاربة الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، ومصادرة حق المواطن في التجمّع السلمي وحريّة الرأي والتعبير، حيث أن هذه الخطوة “المشبوهة” ذات “الأجندة” الخارجيّة، حرمت الشعب النيوزلندي الصديق من الإعتصام أمام ديوانه الملكي، أو في مادبا والكرك والطفيلة والمفرق، وغيرها من المحافظات التي “يتمتّع” فيها المتعطّلون عن العمل باحتجاجاتهم ومعاناتهم.
كما أنّها “اعترفت” ببناء 2200 وحدة سكنيّة شعبيّة، ما يحرم المواطنين من متعة الاستمتاع بطبيعة الشتاء الخلاّبة، والدعاء للرحمن في العراء، تحت ضوء الشموع، من ظلم المسؤولين.. هذا دليل آخر على انحياز نيوزلاندا للرسميّين وتقويض حق الشعب بالدعاء عليهم.
الأنكى من هذا أن الحكومة النيوزلانديّة منعت المضاربة الخارجيّة، وقامت بدفع فواتير الكهرباء لمليون مواطن -ضمن مدفوعات الشتاء- بل وزيادة مداخيل 384 ألف عائلة، إلى جانب زيادة دعم المدارس لدرجة منع الأهالي من دفع أيّة مصاريف، حتّى أنّها تقوم بتقديم وجبات غداء مجانيّة للطلبة.. ألا ترى إلى أيّة درجة وصل الإعتداء “السافر” على خزينة الدولة النيوزلنديّة، وحقّ المواطن في الإنفاق على بلده الحبيب.. عليهم دقّ ناقوس الخطر، فنيوزلندا تتعرّض لتجفيف منابع خزينتها!
وبذكر المدارس، يستعرض بث الفيديو توسعة بناء المدارس لتتّسع لـ 100 ألف تلميذ جديد، وزيادة معاشات الأساتذة، وحتى الممرّضات والشرطة، ودعم البحث العلمي والتطوير، بل وزيادة عدد الممرّضات في المدارس، لتغطية 30 ألف تلميذ جديد، وكذلك وإقرار مشروع مساعدة الأطفال الفقراء، والذي انتشل 70 ألف طفل من الفقر.. كلّ هذا وأكثر، لحرمان المعلّمين من حقّ الإضراب والإعتصام مطالبة بحقّهم في العلاوة، ولحرمان الطلبة أيضاً من حقّ العمل بعد وقبل وأثناء الدوام، للمساعدة في انتشال أسرهم.
أمّا فيما يتعلّق بالبيئة، فقد اعترفت نيوزلندا على لسان رئيسة وزرائها بمنع الحبوب البلاستيكيّة، بل ومنع استخدام الأكياس البلاستيكيّة أيضا، ما يحرم المستثمر من استيراد إسطوانات الغاز المصنوعة من الفايبر والبلاستيك..
تخيّل أن الأمر لم يقف عند هذا الحدّ، بل وتمّت زيادة دعم القطارات، والمواصلات العامّة، والإسعاف الجوّي، للتحايل على حقّ النيوزلنديّين في امتلاك مشروع باصهم السريع.
حتّى حق المواطن النيوزلندي بالإنتحار تمّت مصادرته، حيث قامت حكومة أرديرن بإنشاء مكاتب خاصّة للحماية من الإنتحار، وتمادت إلى ما وراء ذلك عبر نشر المرشدين النفسيّين في المدارس.. والسجون أيضا تراجع عدد نزلائها لدرجة لم تتحقّق منذ عشر سنوات..
تخيّل حجم الإجحاف الذي يعانيه أشقّاؤنا في نيوزلندا نتيجة حرمانهم من حكومة رشيدة، تعرف كيف تفرض هيبة الدولة، وتحافظ على نعمة الأمن والأمان!!
جو ٢٤ – تامر خورما

مقالات ذات صلة