من يريد ان يدفعنا الى الجدار..؟

 

حرير – أخشى ما أخشاه أن يكون ثمة من يريد ان يدفعنا الى الجدار، وإلا كيف يمكن أن نفهم هذا التباطؤ في حل قضية مثل اضراب المعلمين الذي شارف على الشهر،كيف نفهم هذا الاصرار على عدم الانخراط بشكل جدي في عملية الاصلاح التي تعاني من الاستعصاء منذ اعوام طويلة، كيف نفهم هذا “الصراع” المغشوش على ملف “الفساد” ومنطق الانتقائية في التعامل مع المتورطين فيه، وكيف نفهم ايضاً هذا الاصرار الغريب على ابقاء البلد في حالة “غليان” وارتباك، وعلى ضرب الناس بعضهم ببعض، وانشغالهم بمطالبات واسترضاءات، واغراق المشهد بفتح ملفات هنا، وتسكين ملفات هناك، واستهداف اشخاص والتغطية على آخرين.

ما زلنا – للأسف – في حالة انكار تام نتفرج على المشهد، وكأن المسألة لا تتعلق “بوطن” يهمنا جميعاً، أو كان “ربيعنا” قد أينع وأورق وانتهى الأمر الذي عليه اختلفنا، لأول مرة في تاريخنا المعاصر يخرج الناس عن صمتهم بمثل هذه الصورة “الكاشفة” التي عكسها اضراب المعلمين ، وهو اضراب لا يتعلق بالمعلمين فقط وان كانوا يتحملون مسؤولية اطلاقه والالتزام به ، وانما يتعلق بالمجتمع كله ويعكس حالة جديدة من الوعي الذي انتجته عوامل تداخل فيها السياسي بالاقتصادي ، والداخلي بالخارجي، ولأول مرة يتفق الجميع على أننا في “ازمة” سياسية معقدة تحتاج الى قرارات جريئة وصادمة وغير مألوفة، والمشكلة – هنا – ان كل الاطراف المشغولة بالاضراب والسجالات والمخاوف لا يوجد لديها رؤية.. او حل مقنع او خطة عملية للخروج من الأزمة.

لا بد – إذن – أن نكسر “حالة” العجز هذه، وأن نتجاوز ” وهم الانتظار” والتسويف الذي يحاول البعض أن يقنعنا بأنه دليل على صحة مقرراتنا وعلى عافيتنا الوطنية(!) ، ولا بد ان نفتح عيوننا على مضامين هذا الاضراب وما تدحرج منه من شعارات وخطابات واحتجاجات اصبحت تتصاعد كل يوم ، خاصة بعد أن كسرت كل الخطوط وتجاوزت كل السقوف.

على مدى الاعوام المنصرفة دفعنا كل ما للدولة من “رصيد” لدى الناس، واستنزفنا ما تبقى لنا من طاقة للمناورة و”التكيف” مع استحقاقات التغيير، ولكننا – للأسف – لم نتقدم خطوة الى الامام، والاسباب معروفة وأهمها أننا ما زلنا نراهن على انحسار “غضب” الناس ، وعلى “تفصيل” اصلاح بلا أنياب ديمقراطية، وعلى تقديم أكباش فداء لطي ملف الفساد، وعلى تخويف الناس من ثمن “التغيير” وانتقاء “نماذج” لاقناعهم بأنهم سيدفعون ضريبة المحاسبة.. وهذا – بالطبع – غير صحيح، لأن الجميع يدرك ان “للاصلاح” متى كان حقيقياً ثمنه الواجب، وانهم جاهزون لتسديد فواتيره حين يكون الحكم هو القانون ، لا مزاجيات البعض التي تحتكم الى تصفية الحسابات وخلط الحابل بالنابل.

اسوأ ما يمكن ان نفعله أن نسمح للانتهازيين بأن يدخلوا على خط الاصلاح والتغيير في بلدنا، او ان نستسلم “للاقدار” بدل ان ندفعها بأقدارنا واردتنا، أو أن ننتظر اللحظة الاخيرة لنقول: الآن فهمنا.. ونبدأ بعدها بالتنازلات.

لقد اثبت الاردنيون على مدى ثمانية اعوام واكثر بأنهم الأحرص على بلدهم، وا لاكثر صبراً على معاناتهم، وتمسكاً بحقوقهم والتزاماً بأخلاقياتهم، وهذا يكفي لاقناع من لا يراهم يستحقون أفضل مما قدم اليهم باعادة النظر في مواقفه وخياراته، لادراك ان ساعة “التغيير” قد دقت فعلاً، وانه لا مجال لاعادة عقاربها للوراء.

لا حاجة لكي نسأل اليوم: من أين نبدأ، فالطريق الى “التغيير” اصبح معروفاً وعناوينه لا تخفى على أحد، يكفي ان ننظر الى ما يدور حولنا والى ما يتفاعل داخل مجتمعنا، وما يتراكم من أزمات في بلدنا لكي نحدد اتجاه بوصلتنا نحو “مطالب” الناس وطموحاتهم وحقوقهم، ولكي نصل الى اليقين السياسي الذي يطمئننا على مستقبلنا.. وعلى صوابية مقرراتنا.. أما كيف، فلا اعتقد ان أحداً يجهل الوسيلة لتغيير قواعد اللعبة، ومعادلات السياسة القائمة، ومراجعة المرحلة السابقة، وبالتالي اشهار “الخطة ب” لتحقيق تحول ديمقراطي ينقذنا من أزمتنا التي تعقدت اكثر مما نتوقع!.
حسين رواشدة

مقالات ذات صلة