استراتيجية تحقيق صفقة القرن في الشرق الاوسط … وليد عبد الحي

هل سيقبل العرب “صفقة القرن” التي شرع بها الرئيس الامريكي ترامب، ويعمل فريقه على الترويج لها ؟ إن مراجعة التاريخ الحديث والمعاصر للقضية الفلسطينية يشير الى الملامح التالية: أولا: سارت المواقف العربية من 1917 الى الآن(أي خلال قرن تقريبا) بالانتقال من تحرير فلسطين الى القبول الواقعي لخط الهدنة 1949 الى القبول بقرار مجلس الامن الدولي 242 و338 عام 1967 و 1973 الذي يتضمن اعترافا باسرائيل للمرة الاولى الى القبول بدولة فلسطينية على ” أي جزء” يتم تحريره (مؤتمر الجزائر) الى القبول بالمبادره العربية “السعودية” في بيروت الى اتفاق اوسلو والقبول بتبادل الاراضي وصولا للتنسيق الامني مع اسرائيل ، ونحن نقف الآن على عتبات صفقة القرن وبشائرها بدأت بنقل السفارة الامريكية للقدس واعتبار القدس ” بتعريفها الإسرائيلي” عاصمة أبدية لاسرائيل ولم تتخذ اية جهة عربية أي موقف ” عملي”(أؤكد عملي) ضده.

ذلك يعني أن الاتجاه التاريخي للموقف العربي والفلسطيني هو التنازل المتواصل وبشكل خطي(linear)، وهو ما يعني ان القبول بصفقة القرن لن يكون خروجا على هذا الاتجاه.

ثانيا: ما هي الاستراتيجية الامريكية لجعل العرب يقبلون بصفقة القرن؟ تقوم الاستراتيجية الامريكية تاريخيا وحاليا على الاسس التالية:

أ‌- اعتبار نتيجة اية مفاوضات هي انعكاس لموازين القوى بين المتفاوضين، أي أن التفاوض ليس فن الجدل وتقديم الدلائل والبراهين المنطقية بل هو فن توظيف متغيرات القوة بأكبر قدر من الذكاء لإجبار الطرف الاخير على قبول ما تقول، وكل مراقبة للسلوك الامريكي بدعم اسرائيل وتقليص المساعدات عن الفلسطينيين ومساندة اسرائيل في الامم المتحدة وعشرات قرارات الفيتو لمنع أي قرار ضد اسرائيل في مجلس الامن والضغط على دول كثيرة لتغيير مواقفها لصالح اسرائيل ناهيك عن الدعم المالي والعسكري والاستخباري لإسرائيل والعمل على إثارة الثقافات الفرعية في المجتمع العربي يشير الى أولوية موازين القوى في إدارة التفاوض على المحاجة القانونية والاخلاقية التي يتوهم المفاوض العربي ان لها قيمة فعلية. فإذا كانت الحياة مفاوضات كما يقول كبير المفاوضين الفلسطينيين ، فهي مفاوضات بمتغيرات القوة وليس بكشف ” ألاعيب نيتنياهو” كما يردد دائما ، فما لم توظف متغيرات القوة ” مهما كانت ” فلن تحصل على أي شيء وليس امامك إلا التنازل والاستمرار في التنازل لأن سلطة التنسيق الامني تخلت عن كل متغيرات القوة التي تملكها –بغض النظر عن طبيعة هذه المتغيرات ووزنها -، فهذه السلطة دمرت منظمة التحرير الفلسطينية ومنعت المقاومة المسلحة وتنسق أمنيا مع اسرائيل من خلال جهاز أمني فلسطيني قوامه الأول 760 عميلا تم اخراجهم بضغط اسرائيلي امريكي من السجون الفلسطينية وهم من يقود جهاز التنسيق الأمني حاليا، ناهيك عن حصار غزة والاصرار على نزع سلاحها وتشويه صورة مقاومتها مضافا لكل ذلك التفاوض السري الذي لم ينقطع مع امريكا واسرائيل كما جرى في أوسلو.وسنكتشف لاحقا ان هذا التفاوض السري لم ينقطع ، فهل تُدار المفاوضات بالتعري من كل متغيرات القوة التي تملكها مهما كان وزن هذه المتغيرات؟ ب- تحويل الصراع العربي الإسرائيلي من صراع صفري الى صراع غير صفري: وتقوم استراتيجية كوشنير وجون بولتون وغرينبلات وبومبيو( الفريق الأمريكي لصفقة القرن) على الاستراتيجية غير الصفرية، أي على توسيع دائرة المصالح المشتركة بين اسرائيل والدول العربية بشكل تدريجي لتضييق دائرة المصالح المتناقضة وفي صلبها القضية الفلسطينية، وتشمل هذه المصالح المشتركة التي يعول المفاوض الامريكي عليها:

1- ايجاد عدو مشترك للعرب واسرائيل ( وهو ما يتضح في الموقف من ايران والتنظيمات المسلحة ووصفها بالارهاب ) وتوظيف كل الأدوات لترسيخ هذه المسألة لجعل استراتيجية العرب واسرائيل هي التنسيق المشترك لهزيمة ” العدو المشترك” بكل ما يتضمنه التنسيق من لقاءات وتخطيط مشترك وتعاون سرا وعلانية.

2- التقارب التدريجي والهادئ في مجال النشاطات الاعلامية والبحثية بين النخب العربية والنخب الاسرائيلية

3- اللقاءات ” غير الرسمية” بين الخبراء والدبلوماسيين العرب والإسرائيليين بخاصة من الاجهزة الامنية.

4- التفكير في بناء تحالفات ذات مضمون عسكري ( الناتو العربي، والتدريبات المشتركة ).

5- ترويض الأذن والعين الشعبية العربية على اللقاءات العربية الإسرائيلية من خلال التسريبات الصحفية المقصودة والمبرمجة من قبل خبراء علم النفس وعلم الاجتماع الاسرائيليين، وهو ما يمهد البيئة الاجتماعية العربية للقبول باسرائيل، وقد يمتد ذلك قريبا للمشاركة في افلام سينمائية وقصص غرامية بين البطل العربي والبطلة الاسرائيلية ومباريات رياضية او لاعبين عرب يحترفون في فرق اسرائيلية…..الخ.

6- تسريع وتيرة الزيارات الرسمية بين المسئولين العرب والإسرائيليين والترويج الاعلامي لها.

7- زيادة وتيرة العلاقات التجارية بين الطرفين والتي تجاوزت حاليا المليار ونصف المليار دولار

8- الترويج لمشروعات تقوم على رأس المال العربي والتقنية الاسرائيلية وبناء المشروعات المشتركة والربط المائي والكهربائي والسكك الحديدية وفتح الاجواء للطائرات المدنية …الخ .

كل هذه الخطوات المقترحة والقائمة على حد سواء ستجعل دائرة المصالح العربية الاسرائيلية المشتركة تتضخم الى الدرجة التي تبدو فيها المصالح المتناقضة بين الطرفين في الموضوع الفلسطيني تناقضات هامشية قياسا للمصالح المشتركة، وهو ما يعني التضحية بالمصالح المتناقضة لصالح المصالح المشتركة، وهو ما يجعل المسرح مهيئا تماما لتجاوز الموضوع الفلسطيني عربيا وتسويته بالطريقة التي يفرضها ميزان القوى الجديد.

يضاف لذلك ، أن الوعود لحزام الفقر العربي المحيط باسرائيل بمنافع اقتصادية ومساعدات من المجتمع الدولي وبخاصة الخليجي سيعزز هذا التوجه من خلال استغلال الظروف الاقتصادية الخانقة لدول هذا الحزام. الخلاصة:

ان المرحلة المقبلة ستشهد العمل الامريكي ل:

أ‌- زيادة الخلل في ميزان القوى لغير صالح الفلسطينيين

ب‌- العمل على زيادة المصالح العربية الاسرائيلية المشتركة لتبدو القضية الفلسطينية قضية هامشية بالمقارنة مع المصالح المشتركة

ت‌- غواية دول حزام الفقر العربي بالمساعدات والاعفاء من الديون او بعضها.

ث‌- ربما…وربما.

مقالات ذات صلة