الرمح والهدف الصعب… “الفرد عصفور في قراءة لمذكرات سمير مطاوع

تحت عنوان الرمح والهدف الصعب صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر مذكرات الدكتور سمير مطاوع وزير الإعلام الأسبق والسفير في هولندا والمستشار الإعلامي ورئيس قسم الصحافة والإعلام في الديوان الملكي الهاشمي ورجل الأعمال والأكاديمي والباحث والدبلوماسي وكلها صفات اجتمعت فيه واختبر تعبها ومتعتها وثمرتها وقساوتها.

اختيار العنوان ملفت للنظر ويشرح الدكتور مطاوع سبب اختيار العنوان إلى إحساسه العميق في كل ما قام به من أعمال ونشاطات ومهمات وسعي لتحقيق أهدافه بانه كان مثل الرمح المنطلق بقوة لإصابة الهدف وقد كان يصيب أهدافه في كل مرة ينطلق فيها.

في كلمته التي زينت المذكرات يقول الكاتب اللبناني شكري نصر الله أن كتّاب المذكرات يشبهون كتّاب التاريخ في سرد الوقائع من منظورهم الشخصي وفيها شيء من الأنانية وشيء من قلة الصدق وخلق الأعذار أو تغيير بعض الوقائع أما مذكرات سمير مطاوع فهي صريحة ومباشرة إلى حد غير مسبوق في وطننا العربي إذ انه قارب صدق وجرأة جان جاك روسو في مذكراته التي فيها الخوف وفيها الجرأة وفيها الخطأ والخطيئة والصح وغير الصح والصدق الكامل والهروب الكامل من ردات التحايل على الحقيقة. فقد أصر سمير مطاوع على ذكر حسناته وسيئاته جنبا إلى جنب.

تسرد المذكرات وتروي في أكثر من خمسمئة صفحة قصة حياة ومعاناة واختبار وخبرات تقدم العبرة والدرس كما تبوح بكثير من مكنونات النفس وما كان يحركها ويوجهها وهي تمتد من أوائل الأربعينات حيث بدأ سمير مطاوع يدرك وجوده في القدس ثم الرملة ثم القدس من جديد بعد النكبة وفي عمان بعد وحدة الضفتين إلى الوقت الحاضر. 

كما تحكي أحداثا عاصرها الكثيرون وان غاب كثير من أبطالها لكن قارىء المذكرات سيجد حياة هؤلاء تعود من خلال السرد الجميل والإطلالة الرائعة على الأحداث والذكريات العديدة التي تروى للمرة الأولى.

قليلون جدا يعرفون كيف دخل سمير مطاوع عالم الصحافة والإذاعة في عمر مبكر وبشهادة بعض اهم الإعلاميين والصحفيين في تلك الحقبة. وثمة من هم اقل يعرفون ما كان يقوم به من جهد في دعم الثورة الجزائرية. كما يتحدث عن مغامراته الصحفية التي يقول لو انه يعود إليها من جديد فلن يقوم بها لما تميزت به من خطورة وجرأة، مثل التسلل عبر نفق سري تحت جدار برلين في عز الحرب الباردة، أو السفر بقوارب الصيد من ميامي إلى هافانا في خضم حصار كوبا والأخطر التسلل عبر مخاضات نهر الأردن إلى الضفة الغربية بعد أسابيع قليلة فقط من حرب حزيران.

وعن سنوات خدمته في معية الملك الحسين يقول إن تلك السنوات الخمس في معية الراحل العظيم تعلم منها ما يعادل خبرة ثلاثين سنة. ويروي عن تلك السنوات الكثير متحدثا عن علاقات الملك بالصحافة والإعلام وكيف كان الملك حريصا على التواصل مع هذا القطاع الحيوي لتكون الصحافة مطلعة على ما يجري وكل ما يهم هذا البلد.

يروي الدكتور سمير مطاوع في مذكراته قصته مع حادث محاولة اغتيال خالد مشعل عندما حاول كثيرون تحميله وزر الارتباك الذي ساد المشهد الإعلامي وقتها. لكن الملك الحسين بتعامله الذكي مع الحادث وموقفه القوي منه استطاع أن يصل إلى الحقيقة وان يعلنها أمام الصحفيين عندما أشاد بجهد وزير الإعلام بالقول إن الوزير قدم المعلومات للصحافة كما وصلته من الجهات المعنية.  يشرح الدكتور سمير في المذكرات تفاصيل تلك الأيام ويتبين منها انه كان عرضة لمحاولة تشويه وإساءة لكنه صفح الصفح الجميل وتجاوز عن ذلك.

ويتحدث الدكتور مطاوع بكثير من الأسى عن محاولات محاربة جهوده في تطوير الإعلام عندما كان وزيرا فكانت محاولته تطوير قانون المطبوعات والنشر ووضع حد لفوضى الصحف الصفراء سببا في ضغوط نيابية أفشلت القانون مما اضطره للاستقالة.

يسرد الدكتور سمير في مذكراته أيضا قصة تعيينه أول سفير للأردن في هولندا وهو الذي كان السفير الوحيد هناك يتقن لغتها مما ابهر الملكة بياتريكس عندما قدم لها أوراق اعتماده وحدثها بلغة بلدها. وعندما كان يعمل على تأسيس السفارة لم تتركه بيروقراطية الوزارة يعمل بحرية ووضعت أمامه من العراقيل الشيء الكثير. وقبل أن يكمل المشروعات التي بدأها لتعزيز العلاقات الأردنية الهولندية جاء الأمر من المركز بإحالته إلى التقاعد. 

يتحدث الدكتور سمير باستفاضة عن تجربته الإعلامية بدء من عمله في إذاعة عمان ثم انتقاله إلى إذاعة هولندا العالمية ومنها إلى (بي بي سي) ومن هناك إلى تلفزيون (بي بي سي) مذيعا باللغة الإنجليزية ليراه الملك الحسين ويأمر بتعيينه في التلفزيون الأردني في بداية تأسيسه.

يوثق الدكتور سمير مطاوع في مذكراته كيفية لقاءاته بالعديد من القادة والزعماء العرب والأجانب وأبرزهم الملك الحسين الذي أجرى معه أجمل لقاء تلفزيوني غير سياسي بمناسبة عيد ميلاده عام سبعين ومقابلة إذاعية خاصة عام سبعة وسبعين وأطرف ما فيها أن جهاز التسجيل لم يعمل فاضطر لإعادة المقابلة بفضل سماحة الملك وقبوله بإعادة التسجيل.

في المذكرات تفاصيل كاملة عن محاولة الدكتور سمير مطاوع ترشيح الملك الحسين لنيل جائزة نوبل للسلام والذي كان أحق شخصية في العالم للفوز بها بشهادة مقرر لجنة الجائزة لكن القدر المحتوم بوفاة الملك كان اسبق.

مع كل النجاح والتألق الذي عاشه سمير مطاوع كنجم إعلامي في كل ميدان خاضه كانت تجربته في التلفزيون الأردني تجربة مرة اضطرته للاستقالة ليعود إلى الفضاء الإعلامي العالمي مؤسسا لجريدة القبس الكويتية ثم العودة إلى (بي بي سي) وبعدها الدخول في عالم الأعمال. وبين هذا وذاك التحق بالجامعة لإكمال دراسته وصولا إلى الدكتوراة التي حققها بجدارة من خلال أطروحته عن دور الأردن في حرب حزيران 1967 والتي اعتمد في إعدادها على وثائق من الدرجة الأولى حصل عليها من القوات المسلحة الأردنية وبدعم مباشر من الملك الحسين وسبع ساعات من الحوار مع الملك.

تشير المذكرات إلى الكثير من الأحداث وتضيء عليها وتفسر حيثياتها وهي مقسمة بطريقة موضوعية أكثر منها تقسيما زمنيا لذلك فان قراءتها تحتاج إلى تمهل وتأن وعناية حتى لا يظن القارىء أنها مختلطة أو عشوائية.

هذه المذكرات ليست يوميات كتبت في وقتها ولكنها ذكريات ورؤيا ارتجاعية لأحداث ماضية كان فيها الدكتور سمير إما الشخصية الرئيسية صاحب الحدث أو كان شاهدا عليه لقربه من أشخاصه أو لعمله في معيتهم أو لاهتمامه الكبير به. ابتعد الدكتور مطاوع في رواية مذكراته عن كثير من الأمور الشخصية التي لا تهم القارىء ولذلك غضّ الطرف عنها. أما ما رأى أنه يهم القارىء وخصوصا الجيل الجديد من القراء فقد تمّ التفصيل فيه من دون إطالة وعندما كان يجب الاختصار تمّ ذلك من دون الإخلال بالجوهر.

الرمح والهدف الصعب مذكرات سمير مطاوع فيها لمسات إنسانيه وتفصيلات قد لا يجدها القارىء في أي مكان آخر وستشكل بالتأكيد إضافة نوعية لقارئها. 

مقالات ذات صلة