الألم في القدم لكن العلة في عصب الرأس 

 

حرير_ما السيناريوهات المتوقعة لما سينتهي إليه إضراب العملين؟ أغلب الظن أن الإضراب لن يستمر طويلا، فالنقابة لن تحتمل الكلفة الأخلاقية والوطنية للاستمرار في الإضراب والإطاحة بعام دراسي أو حتى فصل منه. وفي المقابل، ستقدم الحكومة، تنازلات شحيحة لتشجيع المعلمين على إنهاء الإضراب، وقد يُقال وزير الداخلية، لحفظ ماء وجوههم. لكن هل ستنتهي المشكلة هنا؟

حتى وإن نجحت الحكومة في اقناع نقابة المعلمين بمنح أعضائها علاوة متدرجة للمعملين على مدار 5 سنوات، مثلا، فإن تداعيات هذا الإضراب ستستمر، ومسبباته ستتفاقم. وأي نجاح ولو جزئي للمعملين، سيغري الكثير من الفئات الاجتماعية للمطالبة بحقوقها عبر بوابات الإضراب.

المقاربة الأمنية التي نفذتها وزارة الداخلية في التعامل مع المعلمين، كانت في غاية الخطورة على الصعيد الوطني، وتستحق في أقل تقدير أن يقال عليها الوزير. إذ صحيح أنها أغلقت نافذة للاحتجاج عبر تنفيذ وقفات واعتصامات في أماكن معينة، لكنها فتحت مقابل ذلك أبواب جهنم من خلال اللجوء إلى الإضرابات. إذ من غير المنطقي أن يغيب عن ذهن الحكومة، احتمالية انتشار هذا النوع من الاحتجاج في كل القطاعات. وهو أمر بلا شك كفيل بإدخال البلاد في دوامة ركود خطيرة وشلل يطال معظم مفاصلها.

أتصور أن أي حل مالي، لن يكون له الأثر الكبير في وقف كرة الثلج المتدحرجة في الإضرابات، وإذا نجحت الحكومة في تسوية أمور المعلمين، فكيف لها أن تنجح غدا مع الأطباء وبعد غد مع الممرضين، وبعده مع المهندسين وعمال المياومة .. الخ. لا يمكن حل الإضراب بتقديم كل مطالب المهنيين والعمال والموظفين، لأننا دولة مأزومة اقتصاديا وماليا.

الحل يجب أن يأخذ مسارين، الأول مالي يتعاطى مع المطالب بما يتيسر، وبما تسمح به الموازنة. والثاني وهو الأهم على الإطلاق، في إزالة أسباب الاحتقان المجتمعي. فقد يكون الألم في القدم، لكن العلة في أعصاب الدماغ.

لا بد من تقديم البراهين على استعداد الدولة للاعتراف بأننا في أزمة كبيرة، أزمة مسبباتها ليست في مشكلات دول الجوار، ولا في الغاز المصري، ولا السجائر الإلكترونية.. وما إلى ذلك من عناوين ضمها الخطاب العقيم الذي درجت عليه الحكومة أخيرا. بل في نهج الدولة داخليا. العلة هنا وليست خارج الحدود. العلة في الإنكار، والإصرار على تجاوز أسباب الاحتقان وفقدان ثقة المواطنين بدولتهم، ونزوعهم الكارثي وغير المسبوق إلى مغادرة البلاد، وكأنهم في سفينة تغرق. العلة في الدمامل التي تلتهب وتكبر، ويضغط عليها المواطنون بأصابعهم، حتى لا تنفجر، فيخسرون كل شيء.

العلة في عصب الرأس. وإن أرادت الدولة حل معضلاتها، فعليها أن تلتقط اللحظة التاريخية التي تجعلها تقرر الآن ومن دون إبطاء، إجراء تغييرات جذرية (turning point)، ثورة شاملة على أشكال الفساد والظلم والمحسوبية، ووقف كل أشكال التغول على جيوب المواطنين، والتعامل معهم بعقيلة الشريك، لا الممول، نريد ثورة شاملة من دون إراقة نقطة دم واحدة. فهذا هو السبيل الوحيد لنجاتنا جميعا.

 

بقلم عبدالله بني عيسى

مقالات ذات صلة