بيوت إربد العتيقة تنتظر تنفيذ قرار في الأدراج

حرير _ اذا أردت ان تشتم رائحة آبائك وأجدادك، وتنبش ذاكرة زمانهم، انظر الى بيوتهم العتيقة التي تفوح بين اقواس نوافذها واستطالة ابوابها ذكريات ماض عبرت فؤادهم، تناجي مواد قانون حماية التراث العمراني الحضري الذي يقبع بادراج مكاتب المسؤولين.

وفي الوية اربد شمال الاردن، يمتد بك العمر اعواما مديدة وانت تشاهد في حاراتها وازقتها ابنية تراثية بناها الاجداد والاباء، ومهما حاولت نسيانها والقفز عن عراقتها وماضيها، الا انها تناديك وتجذبك لحنايا جدرانها واقواسها وقصبها دون ان تشعر بوصلها الروحاني باعماق وجدانك وقلبك.

وقال مصدر مطلع ، ان ما يُظهر دور وزارة السياحة والآثار بشكل لافت في هذه الايام، السير بتنفيذ قانون التراث العمراني الحضري الاردني في المدن والقرى التي ما زالت ابنيتها القديمة شاهدة وحاضرة على الاصالة والعراقة، والعمل على صيانتها وترميمها وتحويلها الى مواقع جذب سياحي بكافة الاغراض التراثية والشعبية.

وجاء قانون حماية التراث العمراني والحضري في الاردن لعام (2005) المرتبط بوزارة السياحة والآثار، ليجسد قيمة بيوت انجبت بناة مستقبل الاردن الحديث، لكن ما زال القانون يراوح مكانه دون تفعيل واضح والاسباب لفتها السجلات والملفات، حسب مهتمين بالشأن التراثي.

وعرّف قانون التراث العمراني والحضري الاردني الذي سُن قبل اربعة عشر عاما، الموقع التراثي بالمبنى او الموقع ذي القيمة التراثية، من حيث نمط البناء او علاقته بشخصيات تاريخية او بأحداث وطنية او قومية او دينية مهمة، واقيم بعـد سنة 1750 ميلادية، وبما لا يتعارض مع قانون الآثار النافذ رقـم (12) لسنة (1988).

وقال الدكتور زياد الشريدة، ان قانون التراث الاردني منح مالكي الابنية التراثية تمويلا ماليا لترميمها واستغلالها واستخدامها في تجسيد الموروث التراثي، الا انني لم اجد تفعيلا له حين تحملت على نفقتي الخاصة كلفة ترميم بيت تراثي بديرابي سعيد، كان له ميزة معنوية وقيمة تاريخية في مسيرة المنطقة والاردن.

وتطالب المادة (8) من قانون التراث العمراني والحضري، انشاء صندوق يسمى «صندوق حماية التراث العمراني والحضري»، يهدف الى توفير التمويل اللازم للحفاظ على المواقع التراثية، بموجب نظام يصدر لهذه الغاية، الا ان ترميم العديد من المباني ذات القيمة التاريخية والمعنوية لم تجد من الصندوق أي دعم ومنها على سبيل المثال لا الحصر علالي تبنة.

وقال المهندس محمود البدور في وصف بلدة صمد التراثية، بلواء المزار الشمالي جنوب محافظة اربد، التي نسيها الزمن، ان قانون التراث الاردني منع اصحاب تلك الابنية ازالتها او تلفها تحت طائلة المساءلة القانونية بالتغريم والحبس، الامر الذي يستوجب على وزارة السياحة تفعيل صندوق حماية التراث لاظهار تلك الابنية التراثية التي احتضنت اجساد وعقول رجال افذاذ لعبوا دور في مسيرة الاردن.

ويتغنى رئيس منتدى روابي الكورة الثقافي يحيى بني حمد، منذ اعوام خلت حين كنا صغارا، لم نكن نشعر بالطمأنينة والراحة حتى نفترش ارضية بيوتنا المصنوعة من الطين والحجر، التي كانت تتمازج ذبذباتها بنبضات ودقات قلوبنا لتختلطا بتراب الوطن الجميل المخضب باللون الاحمر القاني.

واللافت في حارات وازقة بلدات محافظة اربد، اينما وجهت نظرك تجد البيوت العتيقة تداعب احاسيسك وعواطفك، وتعيدك من حيث لا تدري الى ايام كانت تبث عروق الراحة والمتعة والتكافل والتعاون بين ساكنيها، فبيت النابلسي وعلي خلقي الشراري بمدينة اربد شمخا من جديد بعد اعادة ترميمها.

ويستغرب مواطنون في عدد من البلديات، من عدم تفعيل مجالسهم البلدية قانون التراث الاردني لغاية الحفاظ على الابنية القديمة، التي تفوقت على حداثة الجديدة، من حيث الشكل والتصميم والمتانة الحجرية التي كانت تخلو من الاسمنت الاسود والحديد، وانهم يذكرونك بالجانب السلبي بازالة هذه البيوت بحجة انها تشكل مكاره صحية.

ويروي رئيس جمعية اصدقاء التراث الاردني طارق السباعي بني ياسين، مسيرته البسيطة التي انتهجتها الجمعية في ترميم المسجد الزيداني ببلدة تبنة وسط لواء الكورة، لكنها توقفت عن ترميم المزيد من الابنية بسبب غياب التمويل المالي، رغم ان هناك العشرات من البيوت القديمة التي ما زالت تعاند العوامل الجوية وتنتظر الترميم واعادة الالق لها.

وشهدت عدد من المدن الاردنية عمليات ترميم لمبان تراثية بتمويل من جهات داعمة في مدن السلط واربد ومادبا وعمان، ولكن بعدد محدود بسبب ارتفاع كلف الصيانة والترميم التي تحتاج الى ملايين الدنانير لاظهار تلك المباني بالوجه المطلوب الذي يخلق سياحة توفر فرص عمل.

وقال محمود سعد الربابعة، ان ذاكرة تراثنا القديم تعيش معنا كل يوم، لكن قلة الدعم المادي التي يجب أن يتحملها صندوق التراث، تحول دون ترميم بيوت عاش بين جدرانها اناس عشقوا الارض والحجر، وكانت جزءًا وركيزة اساسية في تراثهم، سيما انها أثر انساني يدل على تجربة وحقبة ما في تاريخ الاردن.

وسعت نقابة المهندسين الاردنيين وجهات ذات علاقة باحياء التراث من خلال الاحتفال في الثامن عشر من شهر نيسان من كل عام باليوم العالمي لحماية التراث، لكن لا زال قانون التراث العمراني والحضري ينتظر من يدق الجرس، حتى بلغ عند كثير من مالكي الابنية التراثية الجهل بان بيوتهم مصنفة كابنية تراثية، ولا يعرفون ذلك الا بعد ازالتها او بيعها.

وتنص المادة (11) من قانون التراث الاردني لسنة (2005)، على انه يحظر هدم المواقع التراثية او اتلافها او تخريبها او الحاق أي ضرر بها او فصل أي جزء منها او الصاق الاعلانات عليها، وعلى من يشغل الموقع التراثي والسلطات التنظيمية الحفاظ عليه من أي عبث او اتلاف يلحق الضرر بمكوناته ومحيطه.

فهل تجند وزارة السياحة والآثار امكانياتها البشرية والمالية في حماية التراث والحفاظ على الهوية الاردنية وفق القانون؟

مقالات ذات صلة