مستر” لوفي”

أحمد حسن الزعبي

 

كان يحضر متأخراً إلى الشركة وأحيانا لا يحضر أبداً ، في شهور الصيف مثلاً كانت تمضي أيام طويلة لا اتصال ولا تنبيه ولا ملاحظة ثم يفاجئنا في لحظة غير متوقعة ويدخل مقرّ الشركة يتفقد الجميع..
ذات صباح جاء إلى مكتبي “مستر لوفي” محاسب الشركة الهندي الدمث ، وعلى غير عادته جلس في الكرسي المقابل لطاولتي ثم ضحك وهزّ رأسه..قال لي : العمل لم يعد ممتعاً..
سألته أن يوضّح أكثر قال لي: أن عمّال الشركة يتذمّرون باستمرار، تعرف دبي أصبحت غالية،والرواتب متدنية،وضغط العمل يزداد يوماً بعد يوم ،يجب أن نُشعر المالك صاحب الشركة بما يشعر به العمال .
سمعت السكرتيرة الكلام فحضرت هي الأخرى الى مكتبي وبيدها كوب “نسكافيه” ودخلت على الخط راجية: نعم نعم أرجوك..أنا وزوجي نعمل ليل نهار ولا نستطيع أن نسدد التزامات البيت ثم أن هناك “بيبي” قادم في الطريق..
قاطعها “لوفي” المحاسب..وسلّمني بيرق “التياسة” قائلا: أنت العربي الوحيد في الشركة..وصاحب الشركة كما تعرف عربي مثلك ويحترمك .. ليتك تكلّمه باسمنا وتنقل معاناتنا..
قلت له وأنا مفعم بالقيادية معتزّ بلسان الضاد: لا مانع لديّ على الإطلاق..لكن أنت تعرف أن الرجل لا مواعيد ثابتة لحضوره، أحياناً يحضر متأخراً إلى الشركة بعدما أغادر إلى زبائني ،وأحياناً تمضي أيام طويلة على غيابه لا نعرف إن كان مسافراً أم حاضراً..قال في أي وقت يحضر اقتنص الفرصة ، أرجوك هناك عشرات من العمّال يعلّقون الأمل عليك..

حضر أبو يوسف بعدها بيومين بغتة ،دفع باب الشركة فاهتز “الأباجور” المعدني الذي كان يغطي الباب، جر الكرسي من أمام مكتب السكرتيرة وطلب منها أن تحضر له كوب من القهوة دخلت الموظفة إلى المطبخ ..وخرجت أنا من مكتبي ،بدأت معه بدردشة عامة وعن الطلبيات الجديدة وحركة السوق والمبيعات ،هزّ رأسه دون أن يبدي إعجاباً يشجعني، ولا تذمّراً يوقفني..
كلامي له كان بمثابة قياس حرارة ماء الاستحمام ، عندما وجدتها معتدلة نزلت إلى “بانيو” الكلام قلت له : ” أبو يوسف الشباب وكّلوني أحكي باسمهم،بصراحة مضغوطين شوي، يعني بيقولوا الرواتب ما زادت من فترة ،والحياة بارتفاع مستمر،وضغط العمل كبير،فحابّين تحسين ظروفهم اذا في مجال”..ثم تركت له الميكرفون..المشكلة انه كان يرتدي نظارات شمسية غامقة داخل المكتب..فلم أتمكّن من قراءة عينيه لحظتها..صاح المدير: “لوفي”!!!..حضر المحاسب “لوفي” مسرعاً وقد كان يسترق السمع على حديثي..سأله مالك الشركة: Are you under stress؟..أجاب “لوفي” : no sir…every thing normal ..سأل المالك عن وضع العمال : what about the laborers?…أجاب لوفي : same thing sir…في هذه الأثناء قال للسكرتيرة “بارميلا”: you have any thing pam?..ابتسمت بارميلا وهزّت رأسها :sir no thanks every thaing is ok.. نظر اليّ أبو يوسف وقال..هاي الشباب مش مضغوطين وأمورهم تمام..وما في حدا عنده طلبات..لم أجد جواباً للرجل خصوصاً بعد أن خذلتني الطبقة العاملة التي دفعتني لأكون بالواجهة..قلت له:يمكن خجلانين..فعاد السؤال عليهم :خجلانين؟؟ قالوا: لا… أخذ كوب القهوة وغادر الشركة غاضباً دون أن يعلّق على تصدّري للمشهد ..باختصار لقد وبّخني بصمته..
لحظات ثم جلست في مكتبي، علّي أستوعب ما حدث..جاء “مستر لوفي”: sorry ahmed..he was in bad mode! وشرحت السكرتيرة بدورها محاولة ًتبرير جبنها : “عندما يرتدي النظارات الشمسية الغامقة داخل المكتب لا تعرف كيف يكون مزاجه…أحمد “!..لم أعلق على أي منها ، فقط قلت لبارميلا: اعملي لي شاي بحليب وهيل!..ينعن نفظكوا الاثنين!..

“مستر لوفي” صار أمّة..

مقالات ذات صلة