
حبس المدين المعسر
علي الشريف
اشتد الحديث مؤخرا عن المطالبه بالغاء حبس المدين المعسر في امر اعتبره البعض واجبا لانه يحافظ على الكرامة الانسانية ويعطي فرصه للناس لتصويب امورها المالية.
واعتبر بعض اخر ان القرار مجحف وفيه ضياع للحقوق وفي كلا الامرين هناك اقناع وكلاهما يحتاج للدراسة اكثر للخروج بحل يرضي الجميع.
قبل ان نفكر بتعديل قانون التنفيذ ومنع حبس المدين المعسر علينا اولا ان نفسر من هو المدين المعسر الغير قادر على السداد..هل هو المعدم الذي لا يملك شيئا من حطام الدنيا فاستدان ولم يستطع الوفاء ام هو التاجر الذي لازال يمتلك محلا وسيارة وبيتا ويدعي منذ سنين ان الوضع الاقتصادي متازم.
ام انه الشخص الذي امتهن كتابة الشيكات والكمبيالات لغايات قلب البضاعة الى كاش ليمرر بعض الامور بحجة ان موعد السداد لم يحن فيجد ان المال ضاع ولم يستطع الوفاء .
بكل امانه علينا ان نفسر من هو المدين المعسر في ظل الاف القضايا التنفيذية والجزائية التي تعج بها محاكم الاردنوفي ظل الاف المسجونين على مبالغ زهيدة ابرزها الغرامات التي فرضتها الدولة على الشيكات.
لنعترف ان الوضع الاقتصادي غير مريح نهائيا في ظل تعدد الازمات في محيطنا الاقليمي وتراجع القوة الشرائية عند المواطن في ظل تضخم غير طبيعي للاسعار لكن علينا ان نعترف ايضا ان هناك من دخل السوق ليمارس التجارة من باب الاستعراض وبلا خبرة او دراية مما اربك الوضع التجاري برمته .
وعلينا ايضا ان نعترف بان الطمع والجشع عند البعض هو ما اعسر الناس فالبيع الاجل او الدين بفائض ربوي لغايات تحقيق مرابح سريعه دمر مقدرات الناس ..
ولنقر ايضا بان حجم الضرائب المفروضة على الناس بما يمس احتياجاتهم دفعهم للاقتراض بفوائد مرتفعة جدا مما يعني ان القرض سيصبح قرضين او اكثر.
.. الحديث عن الغاء حبس المدين بات شائكا لكنه واجبا في ظل الازمة الحالية وكل الافكار والحلول والقوانين والاتفاقيات المطروحه والمطالب بتفعيلها تبقى وضعيه قابلة للتغيرات ولا قيمة لها ما دام الله عز وجل نظم علاقة الدائن بالمدين باطول اية في القران الكريم وهي اخر ايات سورة البقرة واسمها اية الدين .
الله عز وجل قال فنظرة الى ميسرة ومن هذا الباب يتوجب على المشرع قبل اتخاذ خطوه الغاء حبس المدين باخراج الجميع من السجون ومنحهم مده للاصلاح لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن ثلاثة مع منعهم من السفر حتى يتمكنوا من العمل والبحث عن حلول فالسجن يفاقم المشكلة ولا يحلها بل انه يهدم الاسرة بكل اركانها.
النظرة الى ميسرة تهدف الى التخفيف عن الناس “وقوله عز وجل : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ) : يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء ، فقال : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) [: لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين : إما أن تقضي وإما أن تربي .بكل امانه نحن في زمن الربا الذي اجتاح كل شيء.
الله عز وجل نظم العلاقة باكثر من نظرة الى ميسرة فهو اشترط الكتابه بالعدل عند الدين بمعنى توثيق الدين مع شهود بالعدل ان كان احد على سفر واشترط الرهان المقبوضه ” بسم الله الرحمن الرحيم”۞ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283 البقرة .
ما يمكن ان نتفق عليه ان كانت النظرة الى ميسره ستطول وسط غياب الامانة عند البعض فالاوجب ان تحل المشكلة بالرهان المقبوضه بمعنى ان يرهن المدين شيئا يساوي قيمة الدين للدائن ولا ضير ولا عيب في ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند تاجر يهودي لدين كان عليه.
حبس المدين كما قلنا ليس من شرائع الاسلام والغائه لا يضير بعد منح الفرص للناس لتصويب امورها وعمر ابن الخطاب رضي الله عنه اوقف حدا من حدود الله في عام الرمادة وهو العام الذي اصيب فيه المسلمون بالجوع والقحط فمنع قطع يد السارق فهل اعوامنا هذه ليست اعوام رمادة متتالية.
لنعود الى شريعة الله عز وجل وقتها سنجد ان الاقتصاد سيتغير وان السجون فقط للخونة والعملاء والمجرمون وليست للمعوزين والمعسرين وعند ذلك سترتاح القلوب وتستمر الحياة وتنهض الشعوب.
جاء في الاثر النبوي والحديث الشريف “عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أتى الله بعبد من عبيده يوم القيامة ، قال : ماذا عملت لي في الدنيا ؟ فقال : ما عملت لك يا رب مثقال ذرة في الدنيا أرجوك بها ، قالها ثلاث مرات ، قال العبد عند آخرها : يا رب ، إنك أعطيتني فضل مال ، وكنت رجلا أبايع الناس وكان من خلقي الجواز ، فكنت أيسر على الموسر ، وأنظر المعسر . قال : فيقول الله ، عز وجل : أنا أحق من ييسر ، ادخل الجنة .
خلاصة الامر حبس المدين فيه ارهاق للقضاء وللامن وللدائن والمدين ويوقف عجلة الاقتصاد والمجتمع بشكل عام فالخلاص منه اجدى لكن وفق ما ذكرناه وما يتفق مع ضمان حقوق الناس وشرع الله.