
الجراد يغزو المناطق الغربية…. سالم الفقير
#القيق_بالطحين
كنا نسمع في صغرنا أن الجراد غزا المناطق الغربية غربي بصيرا (إمجدر ابن صبيح، ورجم غرابة، ومنزلة المطالقة، والمربعة) وغيرها من المناطق، وكانت الدولة قد وفرت لمقاومته مجموعة من الرجال، كانوا يحفرون للجراد الخنادق ويضعون فيها الحطب والشوك، وعندما يدخل الجراد الخنادق يشعلون عليه النيران!!
كان هذا في العشرينيات، أما ما أخبره هو أن الجراد غزانا مرة أخرى في ذات المناطق، وكأنه يخبر أماكن ومواطن الغنيمة!! كان ذلك في سنة الجراد، عام 1956، أذكرها جيدا عندما كنت آخذ (مشلغة لزَّاب) لأنوش بها الجراد_وهو يغطي الشمس من جهة الطويلة_ وكنت كلما جمعت مجموعة منه أوقدت (شيحة) وشويت الجراد والتهمتها على عجل، والعيون جاحظة على سرب لم أظفر منه إلا بالقليل!!!
_ “والنبي إنَّا رحنا…بلعون يا ارجال غير يوكل الأخضر واليابس”
هذا أكثر ما كنت أسمعه بين العربان، فالناس وجلة حد الجوع!
_ “ضربتين في الراس بوجعن… الجوع والجراد!! هو في شي لينا حتى يوكل الجراد؟! ”
هذا ما تفوَّه به والدي بعد أن تنهَّد تنهيدة طلبت إليه والدتي بعدها أن يوحد الله…
أعلنت الحكومة حالة الطوارئ وأوعزت إلى رجال العرب بمقاومة الجراد…
_ ” اللي عنده حمار… اللي عنده بغل…اللي عنده حصان…اللي بقدر يجيب على ظهره يجي عندي هانا”
هذا ما أوعز به أحد المسؤولين عن مكافحة الجراد… الأمر يتطلب جلب (النخالة) المخلوطة بالسم من منطقة (الرشادية) إلى (رجم غرابة، والمربعة) ومناطق الجراد، و(الكروة) عشرة قروش عن كل حِمل…!!
لم تكن هناك طريق تصل المناطق الغربية، حتى الصحراوي لم يكن موجودا!! كانت الطريق من الموجب باتجاه الطفيلة ولغاية مخفر الرشادية، ثم تقوم الدواب والبشر بما تبقى من المشقَّة!! على الأقل كانت الدواب تقتات الشَّوك، لكن أغلب البشر لا شيء تقتاته!!
في المساء كانت الرجال تضع النخالة كسوار على مناطق الجراد؛ لأن الجراد في الصباح يزحف شيئا قليلا قبل أن يطير، فعندما يصل إلى النخالة يتغذى عليها ويبقى في مكانه!!
الذين لا يملكون الحمير والبغال ولا يستطيعون جلب النخالة على أكتافهم كانوا يعمدون إلى بيض الجراد (القيق) يعبئون (الربعية) منه ويستبدلونه من المسؤول بربعية طحين!!
مللت العملية وأنا أبحث عن القيق، فعمدت إلى تعبئة أسفل (الربعية) بالتراب وأكملتها بالقيق! مستغلا في ذلك تزاحم الرجال لتسليم (الرباعي)!! لكن سرعان ما كُشف أمري! تبسم المسؤول بعد أن رآني أمضع جرادة لم تمسسها نار! مسح لي (الربعية) بالطحين، وقال لي:
_ “قوطر يا ولد… أذهن أشوفك”!!
كالمجنون أفرع الأودية والشِّعاب، حافي القدمين، عاري الساقين والفخذين و…
كانت المسافة بيني وبين منازل أهلي هي الحد الفاصل في سعادتي في ذلك اليوم…!! غنيمة وأي غنيمة!! الطحين وما أدراك بريح الجنة… سئمنا علكة البطم!! مللنا الحجارة على البطن!!
لا أعلم وقتها من الأشياء الداخلية إلا المعدة! المعدة فقط هي في الداخل ولا شيء غيرها… لذلك كنت أنطلق بكل سلالة وأمد في جسدي لا أشعر إلا في الهواء!! ولأنني اعتدت ذلك (لوَّحت) من شِعْب أخطأته هذه المرة؛ لأترك الأرض بيضاء من الطحين!! أمسكت (الربعية) وبكيت، حاولت أن أجمع الطحين من على الأرض لكن هيهات هيهات!! أيقنت حينها أن علكة البطم ستكون وجبة دسمة إذا ما خالطها الجراد…!
وقفت على صخرة محاولا لفت انتباه المسؤول من بعيد دون جدوى!!
خلعت بقايا (شلحة) كانت والدتي قد جعلت منها شيئا يستر عورتي… وأقسمت على نفسي أن أمضي بقية اليوم كالجراد..! وضعت شاهدي الأيمن في أذني اليمنى وصعت للفقر:
قلبي كما دلتن فارت
دلة على النار مصليَّة
يا عِلِّتي بالحشا طالت
اللي على الناس مخفيِّة
#من_مخطوط_سُراة_الليل
الثاني من رمضان من عام لواء بصيرا مدينة للثقافة الأردنية
الثلاثاء السابع من أيار 2019
الساعة الثانية والنصف فجرا.
د. سالم الفقير