الرفاعي يرفض وصف الأردن بحليف اسرائيل الحاسم

حرير – رفض رئيس الوزراء الأسبق، العين سمير الرفاعي، وصف الأردن بحليف إسرائيل الحاسم.

 

جاء ذلك في كلمة ألقاها، في حفل إطلاق كتاب الباحث والأكاديمي والإعلامي الأردني، الدكتور حسن البراري، والذي جاء بعنوان: “الأردن وإسرائيل: علاقة مضطربة في إقليم ملتهب”.

 

وقال الرفاعي إن “الأردن لم يكن يوما من الأيام حليفا حاسما لإسرائيل في المنطقة. بل كان خصما عنيدا عقلانيا واعيا، متمكنا من أدوات الاشتباك العسكري، ومن ثم السلمي؛ السياسي والقانوني والدبلوماسي، مع إسرائيل، سواء في مرحلة الصراع أم في حالة السلم”.

 

وتاليا نص كلمة الرفاعي:

 

أتشرف بوجودي اليوم، مع هذه النخبة الكريمة من الباحثين والمتخصصين والإعلاميين، في حفل إطلاق كتاب الباحث والأكاديمي والإعلامي الأردني، النشيط والمتميز الأخ الدكتور حسن البراري، والذي جاء بعنوان: “الأردن وإسرائيل: علاقة مضطربة في إقليم ملتهب”.

 

وقد أتيحت لي الفرصة لمطالعة عاجلة لفصول الكتاب؛ فوجدت فيه انعكاسا لشخصية الباحث، من حيث المنهجية البحثية والإلمام الواسع الشامل، وسلاسة اللغة ووضوح الأفكار، وتسلسلها.

 

إن الدكتور حسن البراري، من النخبة القليلة، من الباحثين والدارسين المتخصصين بعمق في الدراسات الإسرائيلية؛ من موقع الوطني الأردني المخلص لقضيته، والملتزم بمنهجية البحث العلمي.

 

وأرجو أن تسمحوا لي بإبداء بعض الملاحظات، وهي بمجملها تتعلق بتفسير الأحداث، ولا تنتقص من الجهد وإن اختلفت بعض وجهات النظر.

 

وتبدأ ملاحظاتي من طرح بعض القضايا الخلافية والقابلة للتأويل كمسلمات. ربما أخضعها الباحث لقراءته السياسية، وهذا حقه الذي لا خلاف عليه، وإن اختلف البعض في معرضه.

 

وقبل الدخول في التفاصيل، أقف عند عبارة وردت في مقدمة المديرة المقيمة، لمؤسسة فريدريش إيبرت، مكتب الأردن والعراق، آنيا فيلر-تشوك، في مقدمتها للطبعة الأولى من الكتاب 2014م؛ حيث تقول: “يعد الأردن حليفا حاسما في المنطقة لإسرائيل”. ومثل هذه العبارة التقريرية، تفتقر للسند. كما أنها لا تناسب تقديم كتاب بهذا العمق، وهذا الاشتباك مع حيثيات العلاقة الأردنية الإسرائيلية، وتعقيداتها وتداخلاتها.

 

وأعتقد جازما؛ أنها تخالف سياق الأحداث وحقائق الصراع؛ فالأردن، لم يكن يوما من الأيام حليفا حاسما لإسرائيل في المنطقة. بل كان خصما عنيدا عقلانيا واعيا، متمكنا من أدوات الاشتباك العسكري، ومن ثم السلمي؛ السياسي والقانوني والدبلوماسي، مع إسرائيل، سواء في مرحلة الصراع أم في حالة السلم.

 

وكان الأردن، دائما وأبدا؛ نصيرا حاسما للقضية الفلسطينية، ولمصالحه الوطنية العليا، والتي تتمثل الآن، وفي هذه اللحظة التاريخية المفصلية؛ بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، على التراب الوطني الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشريف، وفقا لقرارات الشرعية الدولية؛ وبما يكفل وضع الحقوق والمصالح الأردنية موضع التنفيذ، وبالمقدمة منها؛ ملفات: اللاجئين، القدس، الحدود، الأمن والمياه.

 

الأردن، بنيويا، لا يمكن أن يكون “حليفا حاسما لإسرائيل”. هذا يتناقض مع بنية التكوين الأردني. وهذا بالضرورة لا يصلح كمدخل لقراءة كتاب بأهمية وعمق كتاب الدكتور البراري.

 

وإذا كان المقصود أن الأردن وقع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994م، فهو لم يوقع منفردا. وبالأساس، لم يذهب للمفاوضات منفردا، وإنما ضمن السياق العربي – بعد أن وقعت الشقيقة الكبرى مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل، مرورا بمؤتمر مدريد عام 1992م، والذي أعقبته اتفاقية أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993م، ثم جاءت اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، دعما للموقف الفلسطيني، ودفاعا عن الحقوق الأردنية المرتبطة بملفات الحل النهائي.

 

ولم يكن مقبولا بالنسبة للأردن، أن يقرر الآخرون مستقبلنا نيابة عنا، وبغيابنا. ولذلك، شكلت مرحلة ما بعد توقيع اتفاقية السلام، مرحلة جديدة، صعبة ومعقدة، من الاشتباك اليومي مع المشروع الإسرائيلي، وتجاوزاته، مع التحولات التي شهدتها الحالة الداخلية الإسرائيلية، وانزياح المجتمع الإسرائيلي نحو يمين اليمين، ومحاولات الحكومة الإسرائيلية، استثمار وتوظيف التطورات الإقليمية، لصرف انتباه العالم عن أولوية القضية الفلسطينية، وبالاستفادة، للأسف، من الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، سياسيا وجغرافيا.

 

وقد استطاع الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، أن يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها، في الاهتمام الدولي، وأن يربط أزمات الإقليم وتطوراته بضرورة الحل العادل والشامل واستعادة الحقوق الفلسطينية. كما تمكن، بقوة الشرعية والقانون وبالفاعلية السياسية والدبلوماسية، أن يحرم إسرائيل من الاستفادة من الاضطرابات الإقليمية، وفرض إجراءات الأمر الواقع، والتغيير في هوية القدس والمقدسات. كما وقف في وجه إسرائيل بقوة في مسألة جدار الفصل العنصري، واستطاع أن يهزمها قانونيا وسياسيا..

 

وها هو اليوم، يقف، صلبا ثابتا مبدئيا، في دفاعه عن الحقوق الفلسطينية وعن المصالح الوطنية الأردنية العليا، رافضا لأية تسويات أو صفقات، لا تستند إلى أساس من الشرعية الدولية ومرجعيات العملية السلمية، مهما كانت مسمياتها أو مسوغاتها.

 

وقد كشفت وثائق عديدة، تاريخية، وشهادات خصوم ألداء للأردن، أن الأردن، لم يفرط بشبر واحد من التراب الفلسطيني، بأية لحظة من اللحظات. وكان مفاوضا صلبا وعنيدا، في دفاعه عن الحقوق الفلسطينية؛ ولهذا السبب كانت القيادات الإسرائيلية “معنية”، بالتخلص من “الطرف” الأردني في المفاوضات.

 

وبعد أن قررت جميع الدول العربية في قمة الرباط عام 1974م، الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني وعندما شعر الأردن أن قيادة المنظمة ماضية باتجاه التسوية، صدر قرار فك الارتباط عام 1988م.

 

وعودا إلى المقدمات، وما تضمنته من بعض “أحكام”، على مواقف الأردن في عهد الملك المؤسس طيب الله ثراه، تجاه القضية الفلسطينية؛ فأرجو أن أعود وأؤكد هنا، أن محاكمة الأحداث التاريخية لا يجوز فصلها عن سياقاتها وحيثياتها، وما شهدته مرحلتها من نقاشات وآراء وتباينات.

 

وعندما نتحدث عن الملك المؤسس، نستذكر الحكمة والواقعية السياسية والمعرفة الوثيقة بالظروف الدولية، وخصوصا ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتعقيدات الإقليمية، وأيضا، معرفة المغفور له الملك عبدالله المؤسس بحقيقة الواقع العربي، وتناقضاته وصراعاته، وبالواقع الفلسطيني وقياداته واتجاهاته في تلك المرحلة.

 

فمثلا، عند الحديث عن القيادة الفلسطينية في الثلاثينات ومطلع الأربعينيات من القرن الماضي؛ لا يجوز أن تغيب عن بالنا، نتائج الحرب العالمية الثانية وانهيار المعسكر النازي. والسؤال البديهي؛ هل كان من المفيد للقضية الفلسطينية أن تتخلى عن مركزيتها وشرعيتها وكل مصادر قوتها السياسية والقانونية، لصالح الدخول في مغامرة استراتيجية، واصطفاف مع معسكر دولي، تعرض لهزيمة ساحقة؟

 

أعتقد هنا، أن حكمة الملك عبدالله المؤسس، هي التي أنقذت القضية الفلسطينية، من نتائج كارثية مبكرة، إثر الحرب العالمية الثانية.

 

المسألة الثانية، هي تصوير الملك المؤسس، وكأنه “صاحب أطماع في الأراضي الفلسطينية”، ينافس قيادات وزعامات محلية. وفي هذا، برأيي، ظلم كبير. وقد أشار الباحث في مقدمته إلى مخاوف قيادات عربية، آنذاك، من مشروع الملك المؤسس لتوحيد “سوريا الكبرى”. وهي إشارة صحيحة؛ فالملك المؤسس لم يكن صاحب أطماع. وإنما كان صاحب مشروع الثورة العربية الكبرى بالاستقلال والوحدة والحياة الفضلى. وهو المشروع الذي قامت على أساسه الدولة الأردنية الحديثة منذ عام 1921م. وكان حلم الوحدة العربية، مشروعا مبدئيا لدى الملك المؤسس؛ جعله ينظر للأمور دائما من زاوية استراتيجية بعيدة المدى، تترفع عن التفاصيل الصغيرة والمكائد التي سادت في ذلك العصر.

 

المسألة الثالثة، عندما نتحدث عن حرب عام 1948م، جدير بنا أن نتذكر أن الانتصارات العسكرية الوحيدة التي تحققت على الجبهات العربية، هي الانتصارات التي حققها الجيش العربي. وأن صمود الجيش العربي في القدس، واستبساله في الحفاظ على الضفة الغربية، هما المحطة الأهم التي حمت القضية الفلسطينية من زوال مبكر. خصوصا، وأن جميع القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية، جاءت على أساس من نتائج حرب عام 1948م.

 

المسألة الرابعة، فيما يخص مسألة التمثيل الفلسطيني، والتي تطرق لها الكتاب في أكثر من مجال، وعالجها الباحث بقدر كبير من الموضوعية وبالاستناد إلى منهجية علمية معروفة عنه؛ أود أن أشير إلى أن الدور الأردني لم يكن، كما حاولت الدعاية المعادية أن تصوره، وإنما كان لصالح حماية وتثبيت الهوية الوطنية الفلسطينية وتكريسها. ولذلك، كان قرار الوحدة إثر مؤتمر أريحا، مرتبطا بمفهوم “الوديعة”، بأن تكون الهوية الوطنية الفلسطينية والأراضي الفلسطينية التي حافظ عليها الجيش العربي خلال حرب 1948م، وديعة لدى الأردن، يصونها ويحميها، من محاولات إسرائيل ومن تقلبات الإقليم والتحولات التي عاشتها الأمة العربية، حتى يسلمها لأصحابها الشرعيين، بعد قيام دولتهم المستقلة واستعادة حقوقهم كافة.

 

وقبل قرارات مؤتمر الرباط عام 1974م، وقبل قرار فك الارتباط عام 1988م، يجب أن لا ننسى موقف الأردن في مؤتمر شتورة عام 1960م، وتأكيده على استقلالية الهوية الوطنية الفلسطينية، وعلى التمثيل الفلسطيني.

 

المسألة الخامسة، ونحن نحتفل هذه الأيام، بالذكرى الواحدة والخمسين لملحمة الصمود والبطولة في معركة الكرامة الخالدة؛ علينا أن نستذكر معاني ذلك النصر التاريخي، في ظل توقيته، وفي ضوء وعينا بأهداف العدو الاستراتيجية حينها.

 

لقد جاءت معركة الكرامة انتصارا عسكريا ميدانيا سجله جيشنا العربي الباسل بعيد هزيمة مرة عاشتها الجيوش العربية وانعكست على الشعوب وثقتها بنفسها وبأمتها.. وفي نفس الوقت، شكلت معركة الكرامة انتصارا فرضته دماء الشهداء وتضحيات رجالات قوتنا المسلحة، وإرادة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، على مشروع تصفية القضية الفلسطينية، واستثمار نتائج هزيمة عام 1967م، سياسيا، بفرض واقع جديد. وكان ذلك النصر الخالد، درسا بالغا لن ينساه المعتدون.

 

الحضور الكريم،

 

سر نجاح أي جهد علمي، هو بمنهجيته وقدرته على تسليط الضوء على مسائل محددة، وإثارة نقاش علمي رصين حول القضايا المطروحة.

 

وقد نجح الأخ والصديق الدكتور حسن البراري في ذلك. وأسجل للأخ البراري، قدرته الدائمة على تحفيز التفكير والبحث والتعمق، والربط بين الماضي والحاضر، وتقديم البناء العلمي.

 

كل الشكر مرة أخرى للباحث الأكاديمي والإعلامي والسياسي الأردني الصديق حسن البراري، وللحضور الكريم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقالات ذات صلة