هذا هو وجه السفارة..!!!

 

حرير – حاتم الكسواني

كانت في عيوني فتاة شقراء بعينين زرقاوين ، ففي كل عيد وطني لتأسيس الولايات المتحدة الامريكية كنا نحضر حفلا تعده السفارة لأطفال المستخدمين الذين كان والدي واحدا منهم يعرض لنا فيه افلام توم وجيري في زمن عدم وجود محطة للتلفزيون في بلدنا ويقدم لنا بعض الماكولات والحلويات ومشروب الكولا الذي لم يكن قد وصل الاردن بعد ، بالإضافة الى شنطة من الهدايا والالعاب في زمن كنت تعد فيه محلات الألعاب في بلدنا على أصابع اليد الواحدة .

ما اجملها من فتاة شقراء كريمة .. هكذا كانت صورة السفارة في عيوني .

كبرنا قليلا وتواصلت الإحتفالات واختلفت طبيعتها ، حيث اتخذت شكل حفلات الشواء التي تجمع كل عائلات المستخدمين العرب والامريكان في ساحة السيارات الخاصة بالسفارة في محيط السي تاون ( c.town ) حاليا .

ومازالت جميلة شقراء بعينين زرقاوين

وتمر الأيام ويسافر والدي إلى بغداد برفقة السفير الأمريكي و مساعده وكان يدعى السيد بندري ” مستر بندري ” ووالده من اصول ليبية ، حيث كان والدي بحكم عمله بجهاز العلاقات العامة بالسفارة لمتابعة معاملاتها مع الدوائر الرسمية بالمملكه يصادق بعض السفراء ( اللطفاء منهم ) .

كان ذلك في شهر شباط من عام 1963 .

ترك بندري والدي بالفندق وذهب للإقامة بالسفارة الأمريكية ببغداد لتأدية مهام خاصة به ، وبعد مغادرته بدا إنقلاب البعثيين على عبد الكريم قاسم وتولية عبد السلام عارف لمقاليد الحكم ، وقد دارت معركة الإنقلابيين في محيط الفندق الذي أقام به والدي الذي كان قد غادره ليحل ضيفا في منزل القنصل الإيطالي ببغداد آنذاك السيد روحي زغلول الكسواني ابن بلدتنا .

وقد قدر والدي في روايته للأحداث لنا بأن للسفارتين الأمريكيتين بعمان وبغداد يدا في إنقلاب عبد السلام والبعثيين على قاسم .

وهنا بدأت صورة السفارة تتشوش أمام ناظري بعض الشيء … إنهم يمكرون لنا ويخربون ببلادنا .

وتمر الايام ويزورنا مستر بندري وقد دعاه والدي لتناول طعام الغداء في منزلنا

وبعد زيارة السفير احب والدي ان يعرفه بابنائه الاحد عشر ..هذه بكري هيفاء وهذا حسام وهذه جميلة هيام وهذا …ماأسمك انت ياولدي :

حاتم ..حاتم ..انا حاتم يا ابي ..نعم هذا حاتم …وهكذا .

ويصطحب والدي السفير بسيارته من بيتنا بجبل الحسين الى جبل عمان حيث مقر السفارة مرورا بدوار فراس .

فيقول السفير : حسين لقد تعرفت على عائلتك وهي كبيرة العدد … حسين، اشترِ لأولادك قطعة ارض هنا؛ في هذه المنطقة، و ابنِ بيتا خاصا لهم.

فقال له الوالد، و كان قد اصطحبه الى بلدتنا بيت إكسا قضاء القدس في الضفة الغربية ؛

لقد شاهدت كم لدينا من الارض هناك .

فاجابه السفير : حسين تلك الارض لن تكون لكم فسيأخذها اليهود قريبا .

لم يصدق والدي الامر …وغادر بندري موقعه الى جهة اخرى ، ومن ثم حصلت حرب 1967 واحتلت الضفة الغربية بما فيها بلدتنا … وبعد ايام رن جرس الهاتف بمكتب ابي ليحدثه مستر بندري من امريكا متسائلا ؛ حسين هل اشتريت قطعة ارض لاولادك؟ كما قلت لك …حسين ألم اقل لك بانهم سيأخذونها ؟

ماذا ؟ إنهم يعرفون كل شيء بل يشاركون بتنفيذه .

لقد تشوهت صورة جميلتي اكثر فأكثر ..ربما لم تضع مكياج سحرها اليوم ولم تتجمل بالشكل الكافي .

ومع زيادة وعينا ونمو ذاكرتنا يبقى والدي يروي لنا القصص :

شخصيات اردنية وازنة تتلقى مبالغ شهرية منتظمة من السفارة.

وتدخل الثورة الفلسطينية للأردن ويواظب بعض رموزها بزيارة السفارة .

إنهم لا يتركوننا بحالنا .. إنهم يفسدون قياداتنا

وتمر الايام ونكبر لنعيش كل الأحداث الجسام التي ساهم الأمريكان بوضع سيناريوهاتها وتمويلها بل و زج الجيوش الأمريكية بالمشاركة بها .

ألأمريكان ينقذون العدو الصهيوني من الأنهيار عام 1973.

الأمريكان يدخلون بيروت .

الأمريكان يدمرون العراق ويدخلون بغداد .

الأمريكان والأوربيون يدمرون ليبيا ويجعلون عمارها خرابا وغناها فقرا .

ألأمريكان يعبثون بسوريا ويتجولون هم ودواعشهم بين العراق وسوريا .

الأمريكان يشعلونها بين السعودية واليمن ويقفزون كالقرود على الحبلين تأييدا ومعارضة لزيادة معاناة أهل اليمن وزعزعة إستقرار السعودية ونهش خيراتها وتقويض اقتصادها .

ولم يسلم السودان ولا سلمت مصر، والجزائر مستهدف وباقي الدول العربية تنوء تحت وطأة أوضاعها الإقتصادية المتردية واستقرارها السياسي المهدد .

ويتغير وجه السفارة كليا أمام ناظري .

أنه وجه شيطاني بشع شرير يجر خلفه الدبابات المجنزرة والجيوش المؤللة وأسلحة القتل والدمار من كل عيار .

وجه شيطاني تعلو سماءه الطائرات بطيار وبلا طيار .

ومادام الدم عربيا فليسل بغزارة .

ومادام القتلى عربا فلا يهم إن كانوا أطفالا أم شيوخا أم نساءً أم رجالا .

وليتناقصوا … وليضعفوا أمام الزحف الصهيوني والأممي الطامع بالأرض والخيرات العربية .

هذا هو وجه السفارة..

مقالات ذات صلة