السياسات العامة للذكاء الاصطناعي بين الواقع والتطبيق

د. نهلا المومني

حرير- يعد الأردن وعلى مستوى المنطقة من الدول الرائدة في وضع سياسات عامة متقدمة تشكل إطارا عاما ناظما للذكاء الاصطناعي.

تتنوع هذه السياسات ابتداء من السياسة الأردنية للذكاء الاصطناعي، ومن ثم الإستراتيجية الأردنية للذكاء الاصطناعي، والخطة التنفيذية لها وانتهاء بميثاق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. ولا ينفصل عن هذا وذاك سياسات ذات صلة مباشرة وغير مباشرة، مثل السياسة العامة للشمول الرقمي والسياسة العامة للبيانات المفتوحة.

يشكل وجود هذه المنظومة عاملا مهما في تحديد اطر استخدام هذه الأداة التكنولوجية المستحدثة من خلال محددات تتمثل في تعزيز البيئة التشريعية الناظمة وتهيئة البنية التحتية الرقمية واتخاذ الإجراءات الكفيلة بردم الفجوة الرقمية وضمان عدم التحيز والشفافية، وحماية الخصوصية والبيانات واحترام حقوق الإنسان وضمان السلامة والأمن الرقمي والموازنة بين حماية الابتكار وتعزيز الفرص الاقتصادية وبين حماية حقوق الأفراد وحرياتهم.

هذه السياسات بشموليتها من شأنها تحقيق مفاهيم العدالة الرقمية وإمكانية وصول الأفراد إلى الخدمات على اختلاف طبيعتها والتمتع بها، وتجاوز أي ثغرات قائمة تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان في الفضاء الرقمي خاصة في مجال الحق في العمل وحماية الحق في الحياة الخاصة والهوية الرقمية والأمان الرقمي عموما وغير ذلك، بالإضافة إلى ضمان عدم تهميش بعض الفئات بفعل الخوارزميات وآليات عملها، وحمايتها من تكريس صور نمطية بحقها في المجتمع ما يؤدي إلى التمييز ضدها.

ويبقى السؤال المطروح أخيرا، في ظل منظومة السياسات الوطنية هذه المتوافقة والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كم يلزمنا من الوقت لنلمس آثار هذه السياسات المتقدمة التي تتضمن رؤية واسعة أيضا تتمثل في السعي نحو تجويد خدمات الصحة والتعليم والنقل والطاقة والأمن المائي وغير ذلك من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي.

في الواقع أن الإجابة عن هذا السؤال تتقاطع ومعطيات عدة، ابتداء من مدى جاهزية البنية التحتية الإلكترونية وقدرتها على تحقيق النفاذ العادل والمتكافئ للأفراد وتقليص الفجوة الرقمية بين مختلف الإقاليم في المملكة للتمتع بفوائد التقدم العلمي هذه، وكذلك قدرة الاقتصاد عموما على الانتقال إلى فكرة الاقتصاد الرقمي القادر على استحداث فرص عمل تواكب التكنولوجيا الناشئة، وبناء مجتمع رقمي متكامل لا يشكل نقص المعرفة فيه عائقا أمام المشاركة الرقمية.

إن الوصول إلى التطبيق الشامل والمتكامل لهذه السياسات جميعا يتطلب وقبل كل شيء تضافر الجهود كافة، سواء على صعيد السلطات الثلاث والمؤسسات على اختلاف أنواعها والمجتمع المدني وقطاع الأعمال والأفراد؛ تحقيقا لهذه الرؤى والتطلعات التي تعكسها السياسات العامة للذكاء الاصطناعي ، فهذا مشروع وطني لا يمكن أن يتحقق دون تكامل وتنسيق وعمل مشترك يضم الأطراف كافة.

مقالات ذات صلة