
الأردن وأزمة «الإعلام البديل»
بسام البدارين
حرير- للمرة الألف نقول «إعداد طبق العجة يتطلب تكسير بعض البيض» خصوصا عندما يتعلق الأمر بعودة الجدل والنقاش بعنوان «تطوير الملف الإعلامي» في بلد ظروفه الجيوسياسية باتت معروفة وللجميع في العالم والإقليم مثل الأردن.
دون ذلك لا أساس لأي فرضية أو سيناريو يتحدث عن النهوض بالإعلام الرسمي وغير الرسمي الأردني حيث الفوارق بسبب هوس «التحكم والسيطرة» لم تعد موجودة بدون:
أولا- الإيمان بأهمية وظيفة وسائل الإعلام ثم اليقين بأن هذه الوظيفة لا يمكن تحويلها إلى مستويات إنتاجية متقدمة بدون أدوات مهنية بمعنى الإعلاء من شأن الاعتبارات الأخرى البيروقراطية المألوفة والمعروفة على حساب المعايير المهنية.
ثانيا- الإيمان المطلق بأن التغيير يتطلب تحطيم بعض الزجاج أحيانا والحواجز الحديدية التي تنتمي إلى كلاسيكيات الماضي في تقديم الوجبات الإعلامية.
بدون ذلك قد لا تفلح خطط وسيناريوهات ومشاريع الدمج بين المحطات الفضائية التابعة للكلمة الرسمية. وبدون ذلك لن تفلح كل محاولات الإيحاء بأن أصل المشكلة هو حرية الإعلام وليس العكس، فالمؤسسات تخطط يوميا لسيناريو التحكم والسيطرة المطلقة، مما يدفعها لإغفال بقية الاعتبارات المهنية والسياسية والإدارية الضرورية لتجاوز عقدة «السردية».
أصل وجذر وعمق مشكلة الإعلام الأردني هو غياب الحرية وتوسيع نفوذ الرقيب الذي يتحكم باسم الحلقة البيروقراطية بالاستديوهات وغرف الكنترول وبالضيوف والمعلقين ونوعية البرامج وفي المطابع وأقسام التحرير وكتب المقالات بعيدا عن القواعد التي ألفها جمهور المهنيين.
ثمة عملية تحكم «وزارية» وبيروقراطية تستبد بالتفاصيل فتحدد من يكتب ماذا وأين ينشر النص؟ ثم تحدد من يستضيف من تلفزيونيا أو إذاعيا وماذا سيقول؟ ذلك استبداد لا ينتج عنه أي قيمة مضافة.
هنا مربط الفرس في التغيير الإيجابي: إذا كانت بلادنا تشكو من سوء الإعلام المحلي والنظرة السلبية أو التشويهية في الإعلام العربي أو الدولي وعدم وجود الرواية الأردنية، يصبح المطلوب هو الزحام على تقديم رواية مهنية لا يمكن إنتاجها إلا عبر المهنيين في كل الأحوال.
الزحام هنا قد لا يحتاج لمال، ولكن لعقلية وذهنية منفتحة قليلا يمكنها إدارة وسائل الإعلام الموجودة باحتراف وكفاءة.
حرية الإعلام وسقف النشر والبث هما العنصر الأساسي في توطين صناعة الإعلام وإنتاج الصحافة والسردية. وهما الرد الوحيد واليتيم عمليا على العبث والعدمية والسلبية التي تظهر في منصات التواصل الاجتماعي أو في الإعلام البديل.
يتوجب أن لا نتوقع ارتقاء مستوى الأداء الإعلامي كلما زادت شراسة قوانين الجرائم الإلكترونية وتطبيقاتها، واضطرت الدولة لتعزيز قدرات ومساحات الرقيب فقط، فتلك وصفة تؤدي إلى نمو العبث وتغذية السلبية و«تسمين» العدمية وفي النتيجة تفتيت الرواية وغياب اليقين أكثر.
غير معقول أن يستمر الحديث عن ملف الإعلام في الحالة الوطنية بنفس الطريقة القديمة وبقواعد تركيب السلاح بمعنى «معالجة الخطأ بالمزيد من الأخطاء».
صناعة الإعلام تحتاج لخبراء ومن غير المنطقي أن تبقى المساحة على المستوى الحكومي في الحالة المرحلية المستقرة، وعنوانها التجريب ومعالجة الأخطاء بالمزيد من الأخطاء والفلترة وتفعيل أدوات الرقابة وتغليظ القوانين فقط بهدف إحكام السيطرة أو حتى الردع.
السيطرة بحد ذاتها تحد من الإنتاجية وتصبح سلاحا بيد البائسين والرديئين إذا لم ترافقها خطط مهنية مدروسة وأدوات قياس فاعلة ولا يمكن للتحكم بوسائل الإعلام أن يمثل هدفا وطنيا قابلا للقياس والإنجاز.
السيطرة نتيجة بمعنى تجويد النص وتأسيس سردية وطنية ملائمة والرد على الروايات السلبية بتلك الروايات الإيجابية التي يصنعها الخبراء والمهنيون باستقلالية مرتفعة وبسقف ملائم ومناسب أساسه وجذره حريات التعبير والنشر وتداول المعلومات.
دون ذلك ستبقى العربة أمام الحصان.
ولن تفلح لا السيناريوهات التي قدمها خبراء في الماضي ولا مشاريع دمج مؤسسات الإعلام ولا لجان التطوير وليس سرا هنا بأن مسارات التحديث في الرؤية السياسية والاقتصادية طبيعي جدا أن تتأثر سلبا بغياب رافعة الإعلام.
للأسف الشديد يعلم صناع القرار بأن تكرار نفس الوجوه والاعتماد على نفس الأدوات أصبح حجة على الدولة وليس العكس.
البقاء في نفس دوائر تكرار الوصفات الكلاسيكية يعني تقديم وجبات إعلامية غير مقنعة وغير دسمة للجمهور الذي سيلجأ حتما في هذه الحالة إلى الإعلام الخارجي أو سيخترع عبر المخيلة الشعبية الروايات وبالطرق التي تناسب الجمهور.
الإعلام لاعب أساسي في المشهد ولا ينبغي التخطيط له بعيدا عن أهله وأسرة الخبرة فيه.
الخبراء من الأردنيين المهنيين كثر، سواء داخل البلاد أو خارجها.
لكن الأكثرية تتعرض للتهميش والاستهداف والإقصاء وبدون مبرر، مما ينطوي على تشكيك لا لزوم له مسبق وظالم بحق شريحة واسعة من أوفى الأردنيين وأكثرهم ولاء خلافا لحرمان الحكومة والمؤسسات من فعاليات نشطة وعميقة ومنتجة لا تكلف مالا ولا تبتز الدولة وتوقف نزيف الإعلام الرديء المتسرع الذي يسحب من رصيد الدولة عند الناس بلا سبب ومجانا.
لابد من استيقاظ «قرية الفرجة».