
الديون غير العاملة
سلامة الدرعاوي
حرير- تقرير البنك المركزي الأردني عن مؤشرات المتانة المالية (FSIs) لشهر حزيران 2025 يعكس صورة واضحة ومؤكدة، أن القطاع المصرفي الأردني يتمتع بمستوى عالٍ من الاستقرار المالي والربحية، مدعوماً برأسمال قوي وسيولة وفيرة وإدارة رشيدة للمخاطر.
وهذا ما يؤكد نجاح السياسة النقدية الحصيفة للبنك المركزي ورقابته الفعالة التي تتابع تفاصيل المؤشرات أولاً بأول، بما يرسخ الثقة بالقطاع المصرفي الأردني.
ورغم تسجيل ارتفاع طفيف في الديون غير العاملة، فإن دلالات الأرقام والاتجاهات طويلة الأجل تثبت أن هذه الزيادة لا تمثل تهديداً جوهرياً للسلامة المالية، بل تقع ضمن نطاق الإدارة المحسوبة والمتوقعة، ويعود الفضل هنا إلى نظام رقابي متطور يتبعه البنك المركزي، يضمن أن تبقى المخاطر تحت السيطرة، ويحول دون أي اختلالات قد تؤثر على الاستقرار.
وفي التفاصيل، بلغت نسبة القروض غير العاملة إلى إجمالي القروض 5.8 % في حزيران 2025، مقابل 5.6 % في كانون الأول 2024، و5 % في حزيران 2023، وهذه الزيادة الطفيفة بمقدار 0.8 نقطة مئوية خلال عام لا تمثل خروجاً عن السيطرة، خاصة عند النظر إلى المسار التاريخي الممتد من 8.4 % في حزيران 2012، إذ إنه وخلال أكثر من عقد، نجحت البنوك الأردنية في خفض هذه النسبة بأكثر من 2.6 نقطة مئوية.
وبينما ارتفع إجمالي القروض غير العاملة (بعد استثناء الفوائد المعلقة) إلى 1.987 مليار دينار في حزيران 2025، مقارنة بـ1.867 مليار في كانون الأول 2024 و1.410 مليار في حزيران 2023، فإن المقارنة مع إجمالي التسهيلات الممنوحة التي بلغت ما يزيد على 34 مليار دينار، تضع هذه الأرقام في حجم نسبي محدود، لا يتجاوز 5.8 % من المحفظة الائتمانية، كما أن النسبة مغطاة إلى حد كبير بالمخصصات.
فعلياً، تبلغ نسبة تغطية القروض غير العاملة بالمخصصات 71.3 % في حزيران 2025، وهي نسبة قوية رغم انخفاضها الطفيف من 74.5 % في كانون الأول 2024، وللمقارنة، فقد كانت هذه النسبة 63.2 % فقط في حزيران 2012، أي أن البنوك حسّنت تغطيتها بنسبة تقارب 8 نقاط مئوية خلال 13 عاماً، ما يدل على زيادة التحوط والاحتراز في معالجة المخاطر الائتمانية.
وأكثر من ذلك، فإن نسبة صافي القروض غير المغطاة إلى حقوق المساهمين لم تتجاوز 7.2 % في حزيران 2025، وهي نسبة منخفضة جداً مقارنة بـ10.7 % في حزيران 2012، ما يؤكد أن التعرض الرأسمالي لهذه القروض المتعثرة محدود للغاية.
أما من حيث الملاءة المالية، فقد حافظ القطاع على نسبة كفاية رأسمال عند 18.0 %، من دون تغيير منذ نهاية 2024، وأعلى من 17.3 % في حزيران 2023، وهي نسبة تتجاوز الحد الرقابي الأدنى البالغ 12 % بفارق مريح، كما استقرت نسبة الرفع المالي عند 11.6 %، ما يعكس سياسة محافظة في الهيكل التمويلي من دون الإفراط في استخدام الدين.
الربحية في حزيران 2025 كانت أبرز نقاط القوة، فقد بلغ صافي الربح قبل الضريبة 1.008 مليار دينار، مقارنة بـ532 مليوناً في كانون الأول 2024، و611 مليوناً في حزيران 2024، و404 ملايين فقط في حزيران 2023، ما يعادل نمواً سنوياً بنسبة 149 % خلال عامين.
أما صافي الربح بعد الضريبة فبلغ 689 مليون دينار، مرتفعاً من 364 مليوناً في كانون الأول 2024، و448 مليوناً في حزيران 2024، فهذه الزيادة في الأرباح تعكس ليس فقط كفاءة البنوك، بل أيضاً البيئة الرقابية المستقرة التي وفرها البنك المركزي.
القطاع حافظ أيضاً على نسبة سيولة قانونية عند 142.4 %، مرتفعة من
138.8 % في نهاية 2024 و138.0 % في حزيران 2024، ومطبقا متطلبات البنك المركزي، ما يعني أن البنوك قادرة على تلبية التزاماتها قصيرة الأجل من دون ضغوط، كما أن هامش الفائدة من إجمالي الدخل حافظ على استقراره عند
72.2 %، وهو نفس مستوى حزيران 2012، رغم تغير الظروف الاقتصادية والمالية، وهو دليل إضافي على عمق السياسات الرقابية.
الأرقام الرسمية للبنك المركزي تؤكد أن القطاع المصرفي الأردني ليس فقط متماسكاً، بل يزداد صلابة على المستويات كافة، فالزيادة الطفيفة في القروض غير العاملة تبقى ضمن الحدود الإشرافية، مغطاة بمخصصات، وأثرها محدود على رأس المال، والدين غير العامل ليس مصدر خطر، بل مؤشر يتم التحكم به ضمن نظام مصرفي أثبت أنه مستقر، وقادر على الصمود في وجه أي ضغوط.