استحداث فرص العمل

سلامة الدرعاوي

حرير- بلغ معدل البطالة في الأردن 21.3 % خلال الربع الأول من عام 2025، بانخفاض طفيف قدره 0.1 نقطة مئوية عن الربع الأول من عام 2024 (21.4 %)، وبتراجع إجمالي قدره 1.5 نقطة مئوية مقارنة مع الربع الأول من عام 2022.

هذا التراجع– قد يكون محدودا- لكن يؤشر إلى بعض التحسن في أداء سوق العمل، لكنه لا يغير في عمق التحديات التي أظهرتها دراسة “سوق العمل الأردني: حقائق وأرقام”، التي أطلقتها دائرة الإحصاءات العامة بعد متابعة استمرت ثمانية أشهر.

البيانات الفصلية تؤكد أن المشهد العام لم يتغير جذريًا، فالبطالة بين الذكور ارتفعت إلى 18.6 %، بزيادة 1.2 نقطة مئوية عن عام 2024، فيما تراجعت بطالة الإناث إلى 31.2 %، بانخفاض قدره 3.5 نقطة مئوية، ما يشير إلى تحسن جزئي في فرص العمل للنساء، لكنه لا يلغي الفجوة الكبيرة مقارنة بالذكور.

وقد سبق للدراسة أن أظهرت هذه الفجوة بوضوح، حيث بلغ معدل بطالة الإناث 30.7 % في عام 2023 مقابل 19.6 % للذكور.

أما نسبة التشغيل، فقد انخفضت من 56.7 % في عام 2017 إلى 45.0 % في عام 2023 وفق الدراسة، فيما تظهر بيانات الربع الأول من 2025 أن 31.0 % فقط من السكان ممن هم في سن 23 فما فوق هم من المشتغلين، وهذه النسبة المنخفضة تدل على محدودية قدرة السوق على استيعاب الفئات الشابة، رغم أن 60 % من الذكور المشتغلين

و58.2 % من الإناث يتركزون في الفئة العمرية 20–39 سنة.

المؤشرات تؤكد أيضًا أن نحو 60 % من المتعطلين يحملون شهادة الثانوية فأعلى، وهي نسبة تدعم ما ورد في الدراسة حول الفجوة بين المؤهلات واحتياجات السوق، خاصة أن ديوان الخدمة المدنية سجل 486,118 طلبًا في عام 2023، 86.5 % منها لحملة الشهادات الجامعية.

في هذا السياق، تأتي رؤية التحديث الاقتصادي كإطار إصلاحي يستهدف تمكين القطاع الخاص ليقود عملية خلق فرص العمل، عبر تحفيز الاستثمار، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتوفير بيئة تشغيل جاذبة، فالأرقام تظهر أن 95,342 فرصة عمل استحدثت عام 2023، بزيادة 5,838 عن عام 2022، إلا أن هذه الزيادة لا تزال محدودة إذا ما قورنت بالطلب التراكمي على الوظائف.

البيانات الحديثة كشفت أيضًا عن انخفاض نسبة العمالة الوافدة إلى 44.0 % من إجمالي المشتغلين في الربع الأول من 2025، مقارنة

بـ44.7 % في نفس الفترة من 2024، وهي إشارة متواضعة إلى تحسن نسبي في تشغيل الأردنيين، لكنها لا تغير كثيرًا في الهيكل العام للسوق.

وتبقى هذه النسبة الأخيرة أقل من متوسط المشاركة الاقتصادية للنساء في الدول العربية (18.0 %)، ما يعكس تحديات إضافية في دمج المرأة بسوق العمل.

النتائج العامة، سواء في الدراسة التحليلية أو في البيانات الربعية المحدثة، تشير إلى أن سوق العمل ما زال يواجه فجوة بين العرض والطلب، وضعفًا في التشغيل النوعي.

وتبقى الأداة الأهم لمعالجة هذا الواقع هي تفعيل رؤية التحديث الاقتصادي، بما تحمله من ملامح لخطة عمل شاملة، تُعزز دور القطاع الخاص، وتربط بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، وتدفع بالنمو الاقتصادي نحو مستويات تنعكس فعليًا على مؤشرات البطالة والتشغيل.

تحقيق هذا الهدف لا يرتبط فقط بخلق فرص جديدة، بل بنوعية هذه الفرص، وملاءمتها للفئات العمرية والتعليمية المختلفة، وبضمان التوزيع العادل لها بين المناطق، حتى لا تبقى التنمية حبيسة المدن الكبرى.

ما تبقى هو التنفيذ الجاد والمنسق الذي يترجم رؤية التحديث إلى نتائج ملموسة.

مقالات ذات صلة