
غزة المستقبل
أحمد الفيتوري
المقاومة هي السبيل الوحيد تقول غزة، ويقول الأموات غير ذلك. تقول غزة نولد كي نموت، كي نحيا أيضا لا بد مما ليس منه بد الموت واقفا، غزة في الركن الفلسطيني مثلما ما تحت الثدي الأيسر، غزة القلب في القلب الفلسطيني، العنقاء الفلسطينية، فلسطين النفس الأخير والفاتحة. غزة غزوها غالي الثمن، كثيرا ما حاول العدو أن يغزوها، في كل مرة يرتد عنها كافرا بنفسه، مؤمنا بها كحفرة دم وأنها القبر.
غزة المفردة بصيغة الجمع منفردة، ليس لها شبيه، أي ليس كمثلها مدينة أو ضاحية، هي رحم البشرية الذي يغص بالبشر يسع مئة كل سم، ولادة كلما مات ولد ولدت شهداء كثرا، حتى يغرق في دمائهم العدو ويشهق الصديق. غزة الزاوية الحرجة عند النظرة الثاقبة، فهي الفقر في كل شيء، الغنية بالنبل المعطاء عند ما يشح البشر، عند غياب الإنسانية هي الإنسان، عند الخوف والهلع المقدامة، لتنهض الروح من موتها في جسد الإنسان المغيب، غزة بوق القيامة الآن.
في شارع عمر المختار في غزة المدينة، في البلاد الفلسطينية، أول الميلاد صرخة البشر: قاوم كي تولد، قاوم كي تكون، قاوم كي تحيا، المقاومة الكلمة الأولى والنفس الأخير، المقاومة الفلسطينية منحة الفلسطينيين لإنقاذ البشر، من في غيهم يعمهون، من منتوجهم حرب، حرب أولى حرب ثانية حرب باردة، ما نتاج عقلهم اللا عقلاني: الفاشية النازية الصهيونية أديان عصر الحداثة، العصر الغربي.
غزة العارفة أن العدو لا يخون: تدفع الثمن الأعظم في القرن الأول من الألفية الثالثة، ثمن استعادة ضمير الإنسان ما يرتع في غيه، يداري عجزه بمزامير اللا سامية، وما شبه من زيف النازية الجديدة، عبدة العجل الذهبي في داو جونز وداوننج ستريت وداوننج بلفور وهلم.
غزة شوارع العالم وقد استيقظت: بوق القيامة الآن، كل صباح همّ البشر حرية فلسطين من طوكيو حتى نيويورك، كل مساء همّ البشر فلسطين من جنوب أفريقيا حتى شمال أوروبا، حرية فلسطين إنقاذ غزة إنقاذ الكوكب، حرية البشرية التي هويتها فلسطين التي منذ الألفية الماضية القرن الماضي تدق الخزان، بيد مضرجة تدق أبواب الحرية، حرية أن نكون أو لا نكون، فلسطين أكبر من دولة وأعمق من وطن وغزة الدليل: أن تتخلص البشرية من قيودها، من عيبها أن فيها ومنها دولة دينية نازية.
تعليق على ما حدث
في تصريح لـ«يائير لبيد» النجم التلفزيوني الإسرائيلي، زعيم حزب «هناك مستقبل»، أن «إسرائيل لا تعاني من أزمة سياسية فحسب، بل من أزمة بنيوية…»، فما الذي تعنيه هذه الأزمة المميزة؟ قبل ذلك لا بُد من ذِكر، أن الأزمة السياسية في إسرائيل، جعلتها تلجأ إلى أربعة انتخابات في غضون سنتين، وأن رئيس الوزراء نتنياهو، الذي تمكن من أن يكون رئيس الوزراء للمدة الأطول، متهم بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة. وجعل ذلك حال الدولة في دائرة مفرغة، فنتنياهو المسيطر على اللجام، غير قادر على لجم جماح فرس الانتخابات الجامحة. وهذا الممسك باللجام متهم، وكان من ممكن أن يكون في السجن فور تركه رئاسة الحكومة.
ونشر الكاتب الإسرائيلي، آري شبيت في جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، مقالاً حمل العنوان التالي: «إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة»، معلقاً على ما يحدث. وجاء في المقال أن «الإسرائيليين منذ أن جاءوا إلى فلسطين، يدركون أنهم حصيلة كذبة، ابتدعتها الحركة الصهيونية، استخدمت خلالها كل المكر، في الشخصية اليهودية عبر التاريخ. ومن خلال استغلال ما سُمي المحرقة على يد هتلر «الهولوكوست» وتضخيمها، استطاعت الحركة أن تقنع العالم بأن فلسطين هي «أرض الميعاد»، وأن الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحول الذئب إلى حمل يرضع من أموال دافعي الضرائب الأميركيين والأوروبيين، حتى بات وحشاً نووياً».
«غيتو إسرائيل» في ذروة أزماته، والحرب منقذة من نزيف الدورة الانتخابية. ولهذا فإن الكاتب الإسرائيلي «آري شبيت»، في مقالته بجريدة «هآرتس» المشار إليها آنفاً، أضاف «إذا كان الوضع كذلك، فإنه لا طعم للعيش في هذه البلاد، وليس هناك طعم للكتابة في هآرتس، ولا طعم لقراءة هآرتس.
يجب فعل ما اقترحه «روغل ألفر» قبل عامين، وهو مغادرة البلاد. إذا كانت «الإسرائيلية» واليهودية ليستا عاملاً حيوياً في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبي لكل مواطن إسرائيلي، ليس فقط بالمعنى التقني، بل بالمعنى النفسي أيضاً، فقد انتهى الأمر. يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس»