
إسرائيل الصغرى… إسرائيل الكبرى
رياض معسعس
حرير- هل كان قيام دولة الشتات اليهودي في أرض ذات زرع وضرع، ومن وسلوى، وتاريخ يغور في أحقاب قرون بعيدة في فلسطين، حلما صعب المنال؟
كان الحلم يدغدغ عقولا خبيثة تحمل جرثومة مركبة إمبريالية استيطانية إحلالية إجرامية. آفة قادمة كالإعصار دفع بها الغرب إلينا، ليكفر عن ذنوبه، بعد أن ارتكب مجازر بحق اليهود، مشفوعة بشعارات طنانة رنانة، ومبادئ أخلاقية ينقصها لا الناهية لتكون صحيحة.
قالها وزير بريطانيا العظمى بلفور في وعد لبعد غد لترحيل الشتات اليهودي من كل حدب وصوب، وفج عميق من إشكانزيم، وسفارديم، وحريديم، وشذاذ آفاق لا تعرف أصولهم، ربما من الغجر، أو الخزر، ولا من أين جاؤوا، ربما من روسيا، أوكرانيا، أو بولونيا، أو المجر، من ألمانيا، أو بريطانيا، أو فرنسا، أو من أزقة «الجيتوات» في إيطاليا، والنمسا، ومخلفات محاكم التفتيش الإسبانية في المغرب، والجزائر وتونس.
دفعوا بهم لبواخر أمريكية، وبريطانية ليصل شتات «شعب الله المختار» إلى «أرض الميعاد» هربا من المحارق والفاشية والنازية. هؤلاء مختلفو الأعراق، والأجناس، واللغات، والثقافات، والفكر، والعقيدة، الذين لا يملكون حتى لغة مشتركة (اللغة العبرية أعيد إحياؤها من حوالي قرنين فقط، وكانت تفتقر للنحو والقواعد، فتم تبني قواعد ونحو اللغة العربية لإعادة بناء اللغة العبرية) وصلوا إلى أرض فلسطين أرض الزيتون والبرتقال، لاجئين مساكين، لكن سرعان ما ظهرت حقيقتهم، إذ شكلوا أولى الميليشيات الإرهابية (الهاجانا، الشتيرن، الأرغون) التي لم يمر عليها سوى وقت قصير حتى انطلقت في اتجاه القرى الفلسطينية، لارتكاب مجازرها بالسكان لإرغامها على الهجرة والتخلي عن أراضيها (تم ارتكاب عشرات المجازر بحق الفلسطينيين) واكتملت الجريمة بنكبة 48. ليس للفلسطينيين فحسب، بل للأمة العربية بأكملها، لأن الهزيمة كانت مخزية للجيوش العربية، التي أودت لقيام دولة إسرائيل الصغرى، بعد الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية أيضا، التي حددتها الأمم المتحدة، حسب قرار التقسيم.
سبع وسبعون سنة مضت على هذه النكبة. وجاءت حرب السويس بعد تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي الذي شاركت فيه إسرائيل (وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطتين مهمتين: إن مشاركة إسرائيل بالحرب مع بريطانيا وفرنسا يدل على أن خطط التوسع الجغرافي لإسرائيل كان مدروسا وممنهجا، وأن الغرب زرع هذا الكيان لخدمة مصالحه وقت الحاجة) ولم يمض عقد على اجتياح صحراء سيناء من قبل دولة الاحتلال، وانسحابها بعد الإنذار السوفييتي الأمريكي، حتى عادت لتحتلها مجددا في حرب النكسة، التي زادت الجيوش العربية خزياً والشعوب العربية سخطا كبيرا، هذه النكسة التي حاول العرب (بشكل عام ومصر وسوريا بشكل خاص) محو آثارها واستعادة الأراضي المحتلة في حرب أكتوبر 73 (لم تكن حربا لتحرير فلسطين) هذه الحرب لم تفض سوى لاتفاقات مذلة بتطبيع دولتين عربيتين علاقاتهما مع دولة الاحتلال: مصر والأردن، ولم تتوان دولة الاحتلال بملاحقة منظمة التحرير الفلسطينية التي أرغمت على إجلاء قواتها من لبنان (بعد احتلال الدولة المارقة لأول عاصمة لبنانية بيروت عام 1982) لارتكاب عملية اغتيال خليل الوزير، وضرب مقر الرئيس ياسر عرفات في حمام الشط عام 1985، اليوم نشهد (ما لم نشهده في نكبة 48) النكبة الجديدة مباشرة على الشاشة الصغيرة، العالم أجمع يشاهد النكبة والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، دون أن يحرك ساكنا، يرين صمت يصم الآذان، هل قتل الأطفال بسلاح الجوع، والتدمير الممنهج للمباني السكنية، وقصف المشافي والبنى التحتية، والتهجير القسري، لا يستدعي ردود فعل دولية، أو عربية، وإجراءات عقابية تردع دولة مارقة ترتكب ما تشاء من جرائم وقصف واحتلال في فلسطين ولبنان، وسوريا، واليمن، وقطر دون حسيب أو رقيب؟ هل المنظمات الدولية أصبحت أداة لا سلطة لها سوى إصدار بيانات شبيهة ببيانات الجامعة العربية، التي تثير السخرية والضحك. اليوم نقف على حقيقة فاقعة معلنة وكاملة الأركان، الغرب وعلى رأسه أمريكا لا يقبل بهزيمة إسرائيل ويمدها بكل أسباب القوة والتجبر والتهديد، (بل وتجر كل من تستطيع جره طواعية أو إكراها للتطبيع معها. أربعة أنظمة عربية أخرى طبعت علاقاتها مع إسرائيل طواعية، ليس مكرهة لسبب أو لآخر) ليس فقط ضد كل من تجرأ على مواجهتها من العرب كحزب الله الذي تلقى ضربات كبيرة في لبنان، واليمن إذ قامت باغتيال عدة مسؤولين في الحكومة اليمنية، بل حتى الدول التي تعتقد أنها تشكل تهديدا لها كإيران (التي قامت بقصف منشآتها النووية مع أمريكا) وتهدد تركيا التي تعتبرها دولة مهددة لها أيضا ويتعاظم التهديد بعد سعي أنقرة لدعم النظام السوري الجديد، الذي يتلقى الضربة تلو الضربة من الدولة المارقة، التي تحاول تفتيت سوريا عبر دعم الأقليات.
لقد بقيت دول مجلس التعاون الخليجي بمنأى عن الاعتداءات الإسرائيلية وتطمئن لحماية أمريكا لها، لكن الهجوم على مقر قيادة حماس في قطر، يعتبر من أخطر أعمال إرهاب الدولة على قطر وسيادتها، بل سيادة الخليج بأكمله، وهذا يؤكد أن هذه الدولة المارقة لا تقيم أي وزن لأي قوانين أو أعراف دولية، وهي ماضية في مشروعها لتحقيق ما تصبو إليه من تحقيق ما يسمى بإسرائيل الكبرى، حسب تصريح صريح من رئيس الوزراء بنيامين مليوكوفسكي (نتنياهو) الذي قال، إنه يحمل رسالة إلهية لتحقيق هذه الرؤيا.
وحسب خريطة إسرائيل الكبرى علاوة على ضم لبنان وسوريا والأردن وبالطبع فلسطين فهي تمتد إلى العراق ومصر والكويت والسعودية، فما فائدة التطبيع إذن مع دولة عدائية تخطط لاحتلال دول وقعت معها اتفاقيات سلام؟ فهي تخلت عن اتفاقية أوسلو مع أول منعطف، وضربت عرض الحائط اتفاقية فصل القوات في سوريا، وتجاهلت الخطة العربية (خطة الملك عبد الله آل سعود) التي تقدم بها في مؤتمر قمة بيروت 1982، والتي تنص على ما سمي بالأرض مقابل السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا الرفض يندرج ضمن النظرة البعيدة لهذه الدولة العدائية التي وصل شتاتها كلاجئين، واليوم تريد تغيير الشرق الأوسط، وقيام دولة إسرائيل الكبرى، ومع كل ما تقدم لا تزال الأنظمة العربية التي طبعت أو ترنو للتطبيع، أو الصامتة لا تتخذ أي إجراءات ملموسة لحماية نفسها من دولة تتربص بها جميعا، أو اتخاذ أي ردود فعل رادعة على أقل تقدير وذلك أضعف الإيمان.