
العرب أمام اختبار حقيقي بعد استهداف الدوحة: إلى أين نمضي؟
بقلم الإذاعي الكاتب شريف عبد الوهاب رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب
لم يكن استهداف إسرائيل لمبانٍ في العاصمة القطرية الدوحة حدثاً عابراً أو مجرد رسالة عسكرية محدودة. بل كان جرس إنذار جديداً يكشف أن المنطقة بأسرها مقبلة على مرحلة بالغة الخطورة، حيث لم يعد هناك وزن للقانون الدولي، ولا اعتبار للسيادة الوطنية، ولا احترام لحدود أو مواثيق. العالم اليوم بلا قوانين حقيقية، وما يُطبّق على الضعفاء فقط هو القانون الذي يفقد قيمته أمام من يملك القوة والسلاح.
بالأمس كانت غزة، واليوم قطر، وغداً قد تكون أي عاصمة عربية أخرى. إن ما جرى ليس موجهاً ضد قطر وحدها، بل ضد العرب جميعاً. فالرسالة واضحة: إسرائيل باتت تستخدم تفوقها العسكري وغطاءها الأمريكي لإخضاع المنطقة وإذلالها، في إطار مشروع قديم–جديد هو مشروع “إسرائيل الكبرى”، الذي تسعى من خلاله إلى أن تكون القوة المهيمنة على الشرق الأوسط.
أمريكا وإسرائيل: تحالف المصلحة والهيمنة
لقد أثبتت الأحداث مرة بعد أخرى أن الولايات المتحدة لا ترى في المنطقة صديقاً أو حليفاً إلا إسرائيل. كل الشعارات التي رفعتها الإدارات الأمريكية عن الديمقراطية، الحرية، حقوق الإنسان، أو حتى دعم الحلفاء، تتهاوى أمام حقيقة واحدة: واشنطن تدير المنطقة بعين واحدة، عين ترى في إسرائيل الحليف الاستراتيجي الأوحد، وتتعامل مع بقية العرب باعتبارهم تابعين يمكن الضغط عليهم، أو ابتزازهم، أو استخدامهم في صفقات السلاح والطاقة.
إن هذا التحالف الأمريكي–الإسرائيلي يقوم على تبادل الأدوار: إسرائيل تُنفّذ الأجندة الأمريكية في المنطقة، وتكون ذراعها العسكرية والسياسية، بينما تمنحها واشنطن الغطاء الكامل، والدعم العسكري غير المحدود، والقدرة على تجاوز كل القوانين الدولية. وفي المقابل، يُترك للعرب الفتات، مجرد وعود جوفاء أو اتفاقيات لا تصمد أمام أول اختبار حقيقي.
العرب بين العجز والانقسام
إن أخطر ما نواجهه اليوم ليس إسرائيل وحدها، ولا حتى أمريكا، بل عجزنا العربي المزمن. لقد تعوّد العرب، حكومات ونُخَباً، على إدارة الأزمات بردود أفعال متفرقة، وعلى النظر إلى الأحداث باعتبارها تخص هذا البلد أو ذاك. عندما ضُربت غزة قال البعض: إنها قضية فلسطينية. وعندما استُهدفت سوريا أو العراق، قال آخرون: إنها مشكلة تخصهم وحدهم. واليوم عندما تُستهدف الدوحة، هل سنقول إنها قضية قطرية؟ الحقيقة أن كل استهداف لعاصمة أو مدينة عربية هو استهداف للعرب جميعاً.
إن استمرار هذا النهج سيجعلنا نُستَهدف واحداً تلو الآخر، إلى أن نجد أنفسنا جميعاً تحت الهيمنة الإسرائيلية الكاملة. السؤال الجوهري هنا: هل نستمر في الارتماء في أحضان الولايات المتحدة التي لم ولن تكن يوماً صديقاً حقيقياً لنا؟ أم أن الوقت قد حان لمراجعة أوراقنا قبل أن يفوت الأوان؟
خيارات الرد العربي: بين الممكن والمطلوب
لا أحد يدعو إلى الحرب الشاملة أو إلى مغامرات عسكرية غير محسوبة، فهذا لن يكون في صالح أي طرف. لكن هناك أدوات كثيرة يمكن أن يستخدمها العرب إذا اجتمعوا على كلمة سواء. الأدوات الاقتصادية مثلاً، كفيلة بأن تغيّر موازين القوى إذا أُحسن استخدامها. إن العالم اليوم يتصارع على الطاقة، والنفط والغاز هما الورقة الأقوى في يد العرب، فلماذا نُبقي هذه الورقة مشلولة؟
إضافة إلى ذلك، فإن إعادة توجيه البوصلة نحو قوى عالمية أخرى كالصين، يمكن أن يمنح العرب هامشاً أوسع من المناورة. الصين اليوم ليست مجرد قوة اقتصادية صاعدة، بل هي لاعب دولي قادر على كسر الاحتكار الأمريكي. والانفتاح عليها لا يعني القطيعة مع الغرب، لكنه يمنح العرب خياراً استراتيجياً بديلاً، ويقلل من اعتمادهم المطلق على الولايات المتحدة.
الدرس القطري: السلاح الأمريكي بلا جدوى
ما حدث في قطر يكشف حقيقة صادمة: كل المليارات التي أنفقتها الدول العربية على شراء السلاح الأمريكي لم تمنع صاروخاً واحداً من الوصول إلى هدفه. الدفاعات الجوية، التي طالما جرى الترويج لها باعتبارها قلاعاً حصينة، تعطلت أمام الهجوم الإسرائيلي. هذا يعني ببساطة أن السلاح الذي يُباع للعرب ليس سوى قطعة حديد، تُستخدم لابتزازهم مالياً، بينما يظل القرار الحقيقي في واشنطن.
هذا الدرس يجب أن يوقظ الجميع: الاعتماد على أمريكا في الحماية وهم كبير. وحدها الوحدة العربية، والتنسيق العسكري الحقيقي، وبناء منظومة دفاعية مستقلة، يمكن أن يشكل رادعاً فعلياً لأي اعتداء.
هل نستطيع الرد؟
السؤال الذي يفرض نفسه: هل العرب قادرون على الرد؟ الجواب: نعم، إذا اجتمعت كلمتهم. نعم، إذا وضعوا مصالحهم القومية فوق الحسابات الضيقة. نعم، إذا أدركوا أن الأمن القومي العربي واحد لا يتجزأ، وأن أي اعتداء على قطر أو فلسطين أو أي بلد آخر هو اعتداء على الجميع.
لكن الشرط الأساسي هو الإرادة السياسية. متى ما توفرت هذه الإرادة، يمكن للعرب أن يستخدموا أدواتهم الاقتصادية، وأن ينسقوا دبلوماسياً مع قوى دولية أخرى، وأن يعيدوا بناء منظومة دفاعية مستقلة بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
خاتمة: نحو كلمة سواء
إن استهداف الدوحة اليوم يجب أن يكون لحظة وعي عربي شامل. فإما أن نستمر في الانقسام والتبعية، وإما أن نراجع أوراقنا ونستعيد زمام المبادرة. العالم لم يعد يعترف إلا بالقوة، ومن لا يملك القوة يظل عرضة للابتزاز والإذلال.
إن العرب اليوم أمام اختبار تاريخي حقيقي. إما أن يكونوا، أو لا يكونوا. والجواب سيكتبه التاريخ بناءً على ما نفعله الآن، لا ما نردده من شعارات.