
لماذا تزداد اتهامات تصف ترامب بالديكتاتور؟
د. عبد الله الشايجي
حرير- الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس غير تقليدي ولم يصل إلى منصبه من داخل مؤسسة الحكم الحزبي والسياسي الأمريكي، ولا ينتمي للدولة الأمريكية العميقة التي يتخرج منها نخب الساسة الأمريكيين من نواب وأعضاء مجلس شيوخ ونواب الرئيس وحتى الرؤساء أنفسهم. لذلك شهدنا في رئاسته الأولى وكذلك في رئاسته الثانية تصرفات ومواقف والأهم قرارات تنفيذية غير تقليدية ومثيرة للجدل داخليا وخارجيا حول الحروب والسلام ورفع التعريفات الجمركية وتصريحات مستفزة للحلفاء.
فاجأ الرئيس ترامب في اجتماع مجلس الوزراء الذي يُعقد شهريا الوزراء والإعلاميين والشعب الأمريكي وأنصار وخصوم أمريكا بتعليقه الصادم رداً على تصاعد ديمقراطيين ووسائل إعلام أمريكية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تصف سلوكه واستعراضه للقوة وعسكرة الأمن ـ بتعليقه «هناك العديد من الناس يقولون إذا نجحت بخفض الجريمة في الولايات ـ (كما فعل في العاصمة واشنطن ـ بإرسال الحرس الوطني للمرة الأولى ما أدى لخفض الجريمة) ـ فلا نمانع ويمكن أن نعجب بديكتاتور يحقق ذلك… لكنني لست ديكتاتوراً». وزاد ترامب ساخرا من الديمقراطيين الذين ينتقدون أسلوبه باستعراض القوة ـ «يقولون حرية ـ حرية ـ حرية ـ و(ترامب) ديكتاتور».
والحقيقة أنه حسب الاحصائيات الرسمية للعاصمة واشنطن، انخفضت نسبة الجرائم قبل إرسال الحرس الوطني. كعادته، لا يبني ترامب سرديته على معلومات واحصائيات واستطلاعات رأي مقارنة موثقة. ولم يوقف الجريمة، ولا تستند ادعاءاته «هناك الكثير من الناس يعتقدون ذلك» على أدلة!
وكان ترامب صرح علنا في ديسمبر 2023 «إذا فزت بالرئاسة سأتصرف كديكتاتور، لكن ليوم واحد فقط»! يظهر سلوك وقرارات ترامب ميله بوضوح لصفات الحاكم المتسلط بتوعده في حملته الانتخابية بأنه سيعود لينتقم من خصومه وممن أهانوه وتآمروا عليه وحاكموه وأصدروا بعد محاكمات ومرافعات مطولة أحكاماً جنائية ضده بلغت 34 حكما في قضايا جنائية. شملت الإدانات مستويات مدنية والولايات والمستوى الفيدرالي، وشملت إساءة التصرف ماليا بمؤسسة ترامب، وتحريض أنصاره على اقتحام الكونغرس في يناير2021 ـ (لمنع تنصيب بايدن رئيسا دستوريا ـ ويرفض ترامب الاعتراف حتى اليوم بخسارته انتخابات الرئاسة عام 2020). وأدين ترامب بتدخله بنتائج انتخابات الرئاسة في ولاية جورجيا ليفوز بالولاية!! واحتفاظه بسجلات ووثائق سرية ورفض تسليمها للأرشيف الوطني بعد تركه البيت الأبيض كما جرت العادة. وخسارته قضية مدنية تتهم كاتبة باغتصابها قبل عقود في نيويورك. وقد خسر ترامب جميع تلك القضايا، لكن انتخابه رئيسا ألغى جميع تلك القضايا.
يعمد الرئيس ترامب الانتقام من خصومه بطردهم من مناصبهم، أو تشكيل لجان تحقيق وسحب الحماية الشخصية من قيادات إدارة بايدن وحتى من أعضاء إدارته الأولى. كما سحب الرئيس ترامب التفويض الأمني للاطلاع على التقارير السرية كما جرى العرف. من بينهم الرئيس جو بايدن، وقيادات إدارته ـ كامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن ومنافسته في انتخابات الرئاسة 2024-ووزير الخارجية بلنكين ومستشار الأمن الوطني سوليفان و37 من مسؤولي الاستخبارات البارزين. كما سحب الحماية الشخصية آخرهم كامالا هاريس وقبلها وزير خارجيته الأول مايك بومبيو، ووزير الأمن الداخلي مايوركا وأنطوني فوتشي مدير مركز مكافحة الأمراض ـ الذي ذاع صيته إبان جائحة كورونا واختلف معه ترامب حول الإجراءات والإغلاق. كما سحب الحماية السرية عن هانتر وأشلاي بايدن ابن وابنة الرئيس بايدن…
ونصب ترامب شخصيات مثيرة للجدل ويفتقدون للخبرة والمهن كوزيرة العدل ووزير الدفاع ومديرة الاستخبارات الوطنية ومدير FBI! ـ وبالكاد حصلوا على مصادقة مجلس الشيوخ لتنصيبهم بتصويت أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ككتلة واحدة. يكفي ترامب أنهم يدينون بالولاء المطلق لترامب لتنفيذ أجندته بالاقتصاص من خصومه وأعدائه، وهذا ما يقومون بكامل الالتزام، وإلا سيكون مصيرهم الطرد.
لم تمنع الانتقادات الكبيرة، ترامب من تجاوز صلاحياته الدستورية والتدخل بصلاحيات حكام الولايات وعمدة المدن. وعزمه تكرار إرسال الحرس الوطني لمدن مثل شيكاغو ـ نيويورك ـ بالتيمور وغيرها. وجميعها «ولايات زرقاء» ـ حكام الولايات وعمدة المدن من الحزب الديمقراطي وهم من السود»!!
كما يوظف ترامب وزارة العدل وFBI لترهيب خصومه ومنتقديه وآخرهم جون بولتون مستشاره السابق للأمن القومي لدأبه انتقاد ترامب وإشارته في كتاب مذكراته في البيت الأبيض «الغرفة التي شهدت الأحداث» عن تجربته مستشار الأمن الوطني من أبريل 2018 لسبتمبر 2019. باع 780 ألف نسخة من كتابه في الأسبوع الأول! وذلك رداً على إهانة ترامب وعزل بولتون ـ وكان بولتون أشار في كتابه ـ «ترامب لا يصلح لمنصب الرئيس»…ورئاسته الثانية ستكون أسوأ من رئاسته الأولى». وعلّق بولتون مؤخراً بعد قمة ترامب وبوتين في ألاسكا، «ترامب لم يخسر ولكن بوتين بالتأكيد خرج منتصراً»! ما أغضب ترامب بشدة.. وقام عملاء مكتب التحقيقات الفدرالية باقتحام منزل ومكتب بولتون والبحث عن وثائق تدين بولتون لأنه أورد معلومات سرية في كتابه!! وعلق كاش باتل مدير مكتب التحقيقات الفدرالية «لا أحد فوق القانون»! فيما يستمر ترامب برفض كشف قائمة أسماء زبائن ابستين المتحرشين بالقاصرات. برغم وعده أثناء حملته الانتخابية بنشر القائمة!! ما يتسبب بغضب وانشقاق داخل حركته (MAGA) الداعمة له بقوة.
ويُظهر ترامب إعجابه بالقادة الأقوياء والمتسلطين كالرئيس الروسي بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون ورئيس وزراء هنغاريا أوربان. كما أن الرئيس ترامب كان أول رئيس أمريكي يقيم عرضا عسكريا بدبابات وعربات وصواريخ كلف ملايين الدولارات في العاصمة واشنطن تزامناً مع عيد ميلاده 79 وبدء احتفالات أمريكا بالذكرى 250 لقيام الولايات المتحدة.
واضح تصرفات ترامب تشابه تصرفات قادة ورؤساء سلطويين يستأثرون بالقرار ويستعرضون القوة ويرهبون ويقمعون خصومهم ويعسكرون الأمن ويبدون الإعجاب بالزعماء الأقوياء الطغاة! ويتجاوزون صلاحياتهم الدستورية بتدخلات حتى في قرارات وتركيبة عضوية مجلس حكام البنك المركزي ومؤسسات الدولة.
يهدد ذلك النظام الديمقراطي الأمريكي الذي يكفل حرية الاختلاف ويحمي الحقوق المدنية والدستورية للجميع ومعه سمعة أمريكا ومكانتها!