إنها الأرض تنتقم

خالد دلال

حرير- رغم تحذيرات علماء المناخ المتكررة على مدار السنوات والعقود الماضية، إلا أن البشر لم يكترثوا بعد بتحذيرات الطبيعة لهم من جشع لا يعرف حدودا في استغلال مواردها إلى حد عجزت معه قدرتها على التحمل، ليبدأ انتقامها من مفسديها بني البشر.

ها هي حرائق الغابات تستعر في أوروبا، القارة العجوز الأكثر تأثرا بفعل التغير المناخي، والناجم عن عناد البشر في عدم الالتزام فعليا بسياسات خضراء رفيقة بالطبيعة، وأولهم سيد البيت الأبيض، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المنكر لظاهرة التغير المناخي، والذي ضرب بعرض الحائط كل التزامات بلاده في هذا المضمار، ليطلق العنان لحفر باطن الأرض أكثر وأكثر طمعا في وقودها الأحفوري، من نفط وغاز وفحم وغير ذلك، وهي معا السبب الرئيسي لتراكم الانبعاثات الكربونية في الأرض لدرجة باتت معها غير قادرة على التكيف.

الحرائق تشتعل في الجنوب الأوروبي من البرتغال وإسبانيا، التي حطمت الرقم القياسي لأعلى درجات الحرارة المسجلة، وصولا إلى دول البلقان. وها هي غابات فرنسا تشهد أكبر الحرائق منذ منتصف القرن الماضي، حتى أن مناطق بمساحة العاصمة باريس احترقت بالكامل. أما في اليونان، فالأنباء تفيد بخروج الأوضاع عن السيطرة مؤخرا.

الخطير في الأمر أن مظاهر تطرف المناخ لا تقتصر على حرائق الغابات، بل يتبع الأمر في كثير من الأحيان غزارة في الهطول المطري وفيضانات مهولة تحصد الأرواح والممتلكات، حتى أن بعض التقديرات تفيد بأن أكثر من 1100 حالة وفاة قد سجلت في إسبانيا، إضافة إلى أكثر من 1300 في البرتغال بفعل موجات الحر التي ضربت البلدين الأوروبيين أخيرا. وفي الحديث عن القارة الأوروبية ككل، وبحسب نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي (EFFIS)، “فقد أتت حرائق الغابات، حتى نهاية أغسطس الحالي، على أكثر من مليون هكتار من أراضي الاتحاد الأوروبي منذ بداية العام، في أكبر حصيلة تسجل منذ بدء توثيق البيانات عام 2006”. وهي مساحة أكبر من حجم جزيرة قبرص.

لن تتوقف الطبيعة عن الضرب بيد من حديد هنا وهناك، ولديها من الجبروت، بأمر الله، ما يعجز البشر عن مواجهته من موجات حر قاتلة، وحرائق غابات مجنونة، واجتياح كارثي للهطول المطري، وأعاصير شديدة، وفيضانات مهلكة، وذوبان للصفائح والأنهار الجليدية، وارتفاع في مستوى سطح البحر، وتفاقم لدرجات حرارة المحيطات وحموضتها، وظروف جوية متطرفة في مختلف أرجاء العالم.

ورغم ما تقدم، من وضع كارثي سيسوء خلال الأعوام القادمة، فما زال الحل بيد البشر إن هم تخلوا عن جهلهم بما تقترفه أيديهم من دمار للطبيعة وتقاعس عن العمل لحماية الأرض. والأمر يبدأ من التزام حقيقي للدول والحكومات، بعيدا عن البروباغندا الإعلامية الكاذبة، لتنفيذ بنود اتفاقية باريس، التي أبرمت في العام 2015، “بحيث لا تزيد درجة الحرارة حول العالم، مقارنة بالمستويات الحالية، على 1.5 درجة مئوية”، وصولا إلى الحياد الكربوني بما يتصل بانبعاثات غازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميثان على وجه التحديد)، وذلك عبر الانتقال المدروس والتدريجي، ولكن الملزم والقابل للقياس، إلى مصادر الطاقة النظيفة والاقتصاد منخفض الكربون.

أما إن استمر الوضع على حاله، فسترينا الطبيعة، بأمر ربها، ما لا عين رأت، ووقتها لن ينفع البشرية طمعها وما جنته من تريليونات لن تكون كافية لإصلاح ما يمكن تجنبه اليوم من دمار. والوقت ينفد بسرعة!

مقالات ذات صلة