
ما العمل؟
يحيى بركات .. مخرج وكاتب سينمائي
في غزة، لم تعد السماء زرقاء. اللون الوحيد هو الرماد.
وفي الضفة، الشمس تُحجب عن القرى بحواجز وجرافات ومستوطنين يزرعون الخراب بدل الزيتون.
وفي القدس، الجدار يمد ظله الطويل ليغطي ما تبقى من أفق.
بين هذا وذاك، يعلن نتنياهو أحلامه على الملأ: “إسرائيل الكبرى” من الفرات إلى النيل، خارطة محفورة على علمهم وعلى عملة الشيكل، وممهورة بتوقيع الدم الفلسطيني.
الرد العربي الرسمي؟ بيان هنا، تصريح هناك، لا يتجاوز حدود الشجب المكرر.
أما نحن، الفلسطينيين، فما زلنا نعيش في مسرحين متوازيين:
مقاومة تُحاصر، وسلطة تُحاصر نفسها بخياراتها.
ومشاريع سياسية تُطبخ خارج المطبخ الوطني، تحمل أسماء “حكام” لغزة، ولجان دولية أو عربية تديرها ستة أشهر أو أكثر، وكأن القطاع كيان منفصل، جاهز ليكون “ريفيرا غزة” أو منصة لرؤية ترامب – نتنياهو.
وفي موازاة ذلك، أعلنت الرئاسة عن لجنة لانتخابات المجلس الوطني قبل نهاية العام.
خطوة قد تُقرأ كباب لتجديد الشرعية، لكنها في غياب الوحدة قد تتحول إلى مسمار جديد في نعش المصالحة.
هذه اللجنة، إن لم تعمل على تنظيم انتخابات حرة، وطنية، شاملة، لا تستثني أي قوة فلسطينية فاعلة، فلن تُعيد لمنظمة التحرير دورها التاريخي كحاضنة للكل الوطني الفلسطيني. المطلوب أن تكون الانتخابات مدخلاً لإعادة بناء مؤسسات المنظمة على أساس الثوابت التي يجمع عليها شعبنا وممثلوه في المجلس الوطني، لا على أساس الإقصاء أو مشروطية الخارج.
لكن الوقت لا يعمل لصالحنا. كل يوم يمرّ بلا وحدة حقيقية، بلا حكومة وفاق وطني تمسك زمام المبادرة، هو يوم آخر يُكتب فيه فصل من خطة فصل غزة عن الضفة، ويُنفذ فيه الاحتلال المزيد من التهويد والابتلاع.
من يراهن على قرارات الأمم المتحدة أو على وعود أوروبا يعرف أن ذلك مجرد حبر على ورق.
التجربة أثبتت: التنازل لم يجلب شيئًا، الأموال تُسرق من المقاصة، الموظفون والمتقاعدون بلا رواتب منذ ثلاث سنوات، والوعود المالية مرهونة بشروط تمس جوهر الثوابت الوطنية.
ما العمل إذن؟
أن نكسر جدار الانقسام قبل أن ينهار السقف فوق الجميع.
أن نعيد منظمة التحرير إطارًا حيًا، يضم الكل الوطني بلا استثناء، من الفصائل الكبرى إلى الحركات الشعبية.
أن تكون المقاومة حقًا متفقًا عليه، وأداتها سياسية وعسكرية موحدة، طالما الاحتلال قائم.
أن نبني حكومة وفاق وطني بمهام واضحة: وقف الحرب، انسحاب الاحتلال من غزة، استلام القطاع وإعادة إعماره، وقف الاستيطان، وبناء مؤسسات دولة فلسطين على الأرض لا في الخطابات.
أن نتحرك عربيًا ودوليًا بضغط شعبي ورسمي لوقف كل أشكال التطبيع، لأننا أمام مخطط لا يفرّق بين غزة ورام الله، ولا بين مخيم في الشتات وقرية في الداخل.
القادم مكشوف، والمشهد أمامنا كفيلم لم يُغلق بعد:
الكاميرا تتحرك من طفل يخرج من تحت الركام، إلى مزارع يرمم جدار بيته في الضفة، إلى لاجئ يعلّق مفتاحه على الحائط في المخيم.
لا موسيقى هنا… الصوت هو نبض الناس.
كل لقطة تقول الشيء نفسه: إما أن نتوحد ونكتب النهاية بأيدينا، أو نترك الآخرين يكتبونها بدمنا.
والوطن — مثل لقطة أخيرة في فيلم عمره مئة عام — لا يحتمل إعادة التصوير.
يحيى بركات
مخرج وكاتب سينمائي
#ما_العمل
#فلسطين
#الوحدة_الوطنية
#غزة
#الضفة
#القدس
#منظمة_التحرير
#المقاومة
#لا_للتطبيع
#فلسطين_تجمعنا
#الكرامة_الوطنية
#الحرية_لفلسطين