
مؤتمر حل الدولتين… هل قرّب الفلسطينيين من الاستقلال الناجز؟
عبد الحميد صيام
حرير- انفض الاجتماع الكبير الذي جمع قادة ودبلوماسيين من 123 دولة وست منظمات إقليمية، والذي عقد على مدى ثلاثة أيام في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في محاولة دفع حل الدولتين المتعثر منذ فترة طويلة إلى الواجهة. وقد كرر أكثر من متحدث أن هذا الاجتماع الكبير قد يكون الفرصة الأخيرة لاتخاذ خطوة عملية وجادة وذات مصداقية نحو إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة، مترابطة الأجزاء وقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.
فكرة الدولة
وفكرة الدولة الفلسطينية ليست جديدة. فقد أعلن قيامها رسميا يوم 15 نوفمبر 1988 في الجزائر، أي قبل 37 سنة، فكيف تأخرت إلى الآن ولم تقم بعد؟ وبناء على ما صدر من قرارات في دورة المجلس الوطني الثامنة عشرة، بدأت الاتصالات بين منظمة التحرير الفلسطينية والإدارة الأمريكية، التي انتهت بتوقيع اتفاقيات أوسلو الكارثية. دخلت السلطة الفلسطينية إلى الضفة وغزة عام 1994 وكان من المفروض أن تعلن الدولة مرة ثانية عام 1999، ومرّ هذا التاريخ دون قيام الدولة، لكن السلطة أعلنت أنها دولة ووضعت اسم الدولة على كل مقرات الحكومة، وأصبح لتلك الدولة برلمان ووزراء وسفراء، وأصبح اللقب الرسمي لياسر عرفات ومن بعده محمود عباس رئيس دولة فلسطين. وتقدم الرئيس عباس عام 2011 بطلب رسمي للاعتراف بدولة فلسطين في مجلس الأمن، لكن الجهود لم تنجح بعد أن فشلت السلطة بضمان تسعة أصوات لصالح الدولة، بعد تراجع مندوب البوسنة والهرسك عن التصويت لصالح الاعتراف، وبالتالي تم إعفاء الولايات المتحدة من استخدام حق النقض (الفيتو).
في عام 2012 تم التصويت في الجمعية العامة على الاعتراف بفلسطين «دولة مراقب» وأصبح الوفد الفلسطيني يشارك في كل الاجتماعات ويلقي كلمة باسم دولة فلسطين المراقب. وعادت الفكرة مرة أخرى وتقدم الوفد الفلسطيني بطلب لمجلس الأمن الدولي للتصويت عل قبول عضوية فلسطيني كدولة عادية، إلا أن الفيتو الأمريكي كان بالمرصاد وأطاح بمشروع القرار الجزائري بتاريخ 18 أبريل 2024. ثم رُحّل الموضوع للجمعية العامة، فاعتمد مشروع القرار يوم 10 مايو 2024 بغالبية 143 دولة واعتراض تسع دول فقط حيث أقرت تلك الدول جميعها بأن فلسطين مؤهلة لأن تكون دولة كاملة العضوية، لكن الدولة لم تقم. قامت محاولات حثيثة لتجسيد الدولة على الأرض، لكنها انتهت جميعا دون نتائج أهمها، مؤتمر أنابوليس في نوفمبر 2007 برعاية الرئيس الأمريكي جورج بوش وحضور 40 رئيس دولة أو حكومة، من بينهم إيهود أولمرت والرئيس محمود عباس. وصدر بيان مهم وتفصيلي يتحدث عن قيام الدولة، ثم تحدث الرئيس باراك أوباما في الجمعية العامة في شهر سبتمبر 2009 وقال إنه يأمل أن تكون الدولة الفلسطينية المستقلة في قاعة الجمعية العامة في السنة المقبلة. وفي يناير 2017 عقد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، مؤتمرا دوليا حضره 70 رئيس دولة أو حكومة واستثنيت من الحضور فلسطين وإسرائيل، كي يتسنى للمجتمعين أن يبلوروا رأيا موحدا حول الحل الشامل والعادل القائم على حل الدولتين. كل تلك الجهود لم ينتج عنها قيام دولة فلسطين المستقلة المترابطة وعاصمتها القدس الشرقية. فما الجديد هذه المرة؟
ملاحظات حول مؤتمر حل الدولتين
لعل أهمية المؤتمر تكمن في أصحاب الدعوة، السعودية لما تمثله من وزن في العالمين العربي والإسلامي، إضافة إلى قوتها الاقتصادية وعلاقاتها المتينة مع الولايات المتحدة، وربطها قضية التطبيع مع الكيان بإقامة الدولة الفلسطينية. وفرنسا التي تعتد بالعلاقات العميقة والمميزة مع العالم العربي، وحتى مع فلسطين فقد كانت باريس من أوائل العواصم الأوروبية التي زارها ياسر عرفات، والسفارة الفلسطينية تعمل في باريس منذ السبعينيات. فرنسا صوتت مع الاعتراف بدولة فلسطين في منظمة اليونسكو عام 2010، وصوتت مع الدولة الفلسطينية المراقب عام 2012. وصوتت مع أهلية فلسطين للدولة الكاملة في مجلس الأمن والجمعية العامة عام 2024.
ولا يمكن لنا أن ننكر الزخم الذي رافق المؤتمر، خاصة الحضور الكبير لعدد من وزراء الخارجية من دول مهمة تقف مع فلسطين مثل، البرازيل والمكسيك وكولومبيا وجنوب افريقيا وإسبانيا وباكستان وإندونيسيا وغيرها. كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش حذرت من أن الوقت ربما تأخر لإقامة الدولية الفلسطينية، إلا أن هذا المؤتمر قد يكون الفرصة الأخيرة. أما ماري روبنسون عضو مجموعة الحكماء والمفوضة السامية السابقة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، دعت الدول إلى اتخاذ خطوات «لإنهاء الإفلات من العقاب، وإعطاء تأثير للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، من خلال وقف عمليات نقل الأسلحة وتوسيع العقوبات المستهدفة وتعليق التعاون التجاري مع إسرائيل».. لكن من الناحية الموضوعية هل هناك إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة المترابطة وعاصمتها القدس الشرقية؟
– تعاني غزة من آثار حرب إبادة مدمرة تقترب من سنتها الثانية خلفت أكثر من مئتي ألف ضحية بين شهيد وجريخ ومفقود. كما تم تدمير أكثر من 82 في المئة من المباني والبنى التحيتية في قطاع غزة.. وتدمير النظام الصحي والتعليمي والإغاثي والتمويلي. لقد تمت هندسة سلاح التجويع، حيث أصبحت غزة على حافة مجاعة شاملة، فهل هناك أولوية أهم من وقف حرب الإبادة. وهل الدول التي تتحدث الآن عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مثل، فرنسا وبريطانيا وكندا بعيدة عن الجرائم الفظيعة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني؟ فكيف لنا أن نثق بهذه الدول، ونعتقد أن صحوة الضمير وصلت إليها مؤخرا بعد مشاهدات الأطفال يموتون جوعا؟
– وماذا عن الاستيطان، الذي التهم تقريبا معظم أراضي الضفة الغربية، ناهيك من تطويق القدس بمستوطنات كبرى من كل الجهات. ولنسمع ما قاله وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، حول حل الدولتين: «نعتقد أن حل الدولتين يواجه اليوم تهديدا أكبر من أي وقت مضى منذ اتفاقيات أوسلو. إن التمديد غير المحدود للحرب التي تقودها الحكومة الإسرائيلية في غزة، وتسارع وتيرة الاستيطان، يُعارضان حل الدولتين».
– الانقسام الفلسطيني عمق المأساة الفلسطينية خاصة أن هناك من يجرم المقاومة، ويعتبرها السبب في ما وصلت إليه القضية الفلسطينية، وما زالوا متمسكين بأوسلو، رغم وضوح الموقف الإسرائيلي من أوسلو.
– إن ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر، لا يمكن إلا أن يخدم التوجه الإسرائيلي، لنقرأ ما جاء في البيان الختامي: «ورحبت الوثيقة بالتزامات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومنها السعي لحل سلمي ورفض العنف، وتصريحاته بأن الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح، ومستعدة لترتيبات أمنية، وإجراء انتخابات عامة خلال عام، بإشراف دولي، في جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية». المقاومة إرهاب والدولة المنشودة منزوعة السلاح والأمن ليس في أيدي أصحاب الأرض.
– قاطعت الولايات المتحدة وإسرائيل المؤتمر، ووصفته الولايات المتحدة بأنه «خدعة دعائية» من شأنها «إطالة أمد الحرب» و»تشجيع حماس». مندوب الكيان في الأمم المتحدة، المستوطن برتبة سفير داني دانون، وصف المؤتمر بأنه «سيرك».
المشكلة التي يعرفها الجميع أن الاعتراف بالدول، لا بد أن يمر عبر مجلس الأمن الدولي. في نهاية الأمر الفيتو الأمريكي لن يتأخر في الإطاحة بالمحاولة كما حدث عامي 2011 و 2024. ثم هل سنبدأ من جديد بعد أن يصبح قطاع غزة غير قابل للحياة وتكون أراضي الضفة الغربية قد ابتلعتها المستوطنات؟



