
هل يستحق الرئيس ترامب جائزة نوبل؟
عبد الحميد صيام
حرير- في لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإثنين الماضي في البيت الأبيض قال نتنياهو، رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي، مخاطبا الرئيس: «أود أن أسلم لكم الرسالة التي وجهتها إلى لجنة نوبل.. وهي ترشحكم لجائزة السلام.. وأنتم تستحقونها بجدارة، ويجب أن تحصلوا عليها». شر البلية ما يضحك. «أنظر من يرشح من؟». رئيس وزراء الكيان المصنف رسميا «مجرم حرب». كيف يمكن لمجرم حرب أن يتحدث عمن يستحق جائزة للسلام أيا كان، هذا ليس من اختصاصه، ولا أعتقد أن ترامب يستحق هذه الجائزة، بالنظر لسجلة في سنواته الأربع الأولى، ولا في شهوره الستة الحالية. وسنراجع هذا الموضوع بهدوء لنعرف المعايير المتبعة لمنح الجائزة، إن كانت هناك معايير. فقد منحت الجائزة مرات لمن لا يستحق، ومرات لمن يستحق، ومنعت عن قادة عظام يستحقونها عن جدارة.
وللتذكير فقط فإن الجائزة جاءت بناء على توصية من العالم السويدي الفريد نوبل، مخترع مادة الديناميت، التي تسببت وما زالت في قتل مئات الملايين من البشر. وقد طلب نوبل قبل وفاته (1896) أن تمنح الجائزة لمن يستحقها في ميادين خمسة: الطب والكيمياء والفيزياء والآداب والسلام ثم أضيف إليها الاقتصاد عام 1968. وتعتبر جائزة نوبل للسلام أرفع تلك الجوائز وأكثرها جاذبية، وأصعبها قرارا وأكثرها مثارا للخلاف. وقد حددت معايير ثلاثة لمنح تلك الجائزة: لمن يعمل على تعزيز أواصر الأخوة والمحبة بين الشعوب، ولمن يعمل على تفكيك الجيوش، أو الأسلحة، أو الجماعات المسلحة، وأخيرا لمن يعمل على التوعية من أجل السلام ونشر ثقافة السلام.
تسييس الجائزة
مخطئ من ظن أن الجائزة لا تخضع للسياسة على الأقل «أحيانا». فهل يستحقها الرئيس الأمريكي أوباما بعد عشرة شهور من وصوله البيت الأبيض؟ أم زعيم التبت الدالي لاما لولا أنه معارض شرس للنظام الصيني؟ وهل يستحقها مناحيم بيغن منفذ مجزرة دير ياسين، أم شمعون بيريز بطل مجزرة قانا أم إسحق رابين صاحب برنامج تكسير عظام أطفال غزة، بينما لم تمنح الجائزة للمهاتما غاندي، رغم ترشيحه للجائزة خمس مرات. لكننا نقر بأن بعض الذين تسلموا الجائزة يستحقونها عن جدارة مثل، نيلسون مانديلا وديزموند توتو والأم تيريزا وجيمي كارتر ومارتن لوثر كنغ وأوسكار أرياس، والمفوضية العليا للاجئين، وقوات حفظ السلام واليونسيف ومنظمة العفو الدولية.
حول أهلية ترامب
مراجعة سريعة لإنجازات الرئيس ترامب في دورته الأولى المكتملة والحالية المبتدئة «تأتيك بالخبر اليقين»:
– في 8 مايو عام 2018 انسحب ترامب من اتفاقية إيران النووية مع الدول الست التي أنجزت في عهد أوباما عام 2015، وبالتالي أعاد النزاع مع إيران إلى المربع الأول، وفرض عليها عقوبات قاسية، ما اضطر إيران لأن تسارع في تطوير منظومتها الصاروخية وتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم، ودعم الميليشيات المحلية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ممهدا الطريق إلى الانفجارات والحروب الحالية.
– قام ترامب في 3 يناير 2020 باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، وأبو مهدي المهندس، نائب قوات الحشد العراقي. وقد فاقم هذا الاغتيال الصراع، حيث ضربت إيران القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، وقتلت بمسيرة ثلاثة جنود أمريكيين وجرحت 35 في قاعدة أمريكية في الأردن في يناير 2024.
– في ديسمبر 2017 وقّع ترامب مرسوما رئاسيا بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة ودائمة لإسرائيل وتم نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس خلال ستة أشهر، في اختراق فاضح للقانون الدولي. وقد صوت 14 عضوا في مجلس الأمن ضد هذا القرار إلا أن نيكي هيلي، سفيرة ترامب استخدمت الفيتو لقتل مشروع القرار.
– أعلن ترامب في مارس 2019 اعترافه بضم هضبة الجولان السورية للسيادة السورية في انتهاك فاضح لقراري مجلس الأمن الدولي 242 (1967) و497 (1981 ) اللذين حظيا بتأييد الإدارات الأمريكية السابقة.
– في 10 ديسمبر 2020 وقع ترامب مرسوما رئاسيا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، في مخالفة واضحة للقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي، حيث صوتت الولايات المتحدة لصالحها والتي تشير إلى أن المنطقة متنازع عليها ولم تحسم بعد وحسمها يتطلب توافقا بين الطرفين.
– انسحب ترامب في دورتيه الأولى والثانية من اتفاقية باريس للمناخ واليونسكو ومجلس حقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية، وقطع المساعدات عن عدد من المنظمات الدولية من بينها الأونروا.
– في دورته الحالية بدأ ترامب بالإعلان عن نيته ضم جزيرة غرينلاند وقناة بنما وجعل كندا الولاية 51 في الدولة الأمريكية.
– كما أعلن في بداية دورته، أنه ينوي أن يفرّغ غزة من جميع سكانها لتصبح منطقة أمريكية، وسيحولها إلى ريفيرا للأغنياء. وجاء هذا الاقتراح في أول لقاء مع نتنياهو لدرجة أن الأخير فوجئ به وأسال لعابه وراح يعمل على تطبيقه فعلا لا قولا.
– طلب ترامب من الأردن استيعاب الفلسطينيين، الذين سيهجرون من الضفة الغربية، ومن مصر استيعاب الذين سيهجرون من غزة. ففي رأيه أن «مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة ولطالما فكرتُ كيف يمكن توسيعها». هل هناك رعونة أكثر من هذا التصريح؟
– ردد ترامب مقولات إسرائيل حرفيا بضرورة استسلام حماس، وإلا فستفتح عليها نيران جهنم. إلا أن صلابة المقاومة التي لم تهتز لمثل هذه التصريحات، وأجبرت ترامب على أن يفاوضها.
– فتح ترامب ترسانته من الأسلحة الثقيلة التي كان بايدن «الذي وصف نفسه بأنه صهيوني غير يهودي» منعها عن إسرائيل لقوتها التدميرية، خاصة قنابل الـ2000 رطل التي تملك قوة تدميرية هائلة.
– شارك ترامب في حروب إسرائيل جميعها منذ تولي السلطة، سواء في غزة أو لبنان أو اليمن بالمال والسلاح والذخائر والمعلومات والفيتو.
– ثم قامت إدارة ترامب في الساعات الأولي ليوم الأحد 22 يونيو بمهاجة ثلاث منشآت نووية إيرانية، دون أن تكون هناك حالة حرب بين البلدين، بل مفاوضات سياسية في عُمان. وهذا بكل بساطة يصنف «جريمة عدوان» في القانون الدولي.
– ترامب ليس هو من أوقف الحرب بين الهند وباكستان، كما قال مسؤولون هنود، بل جرت اتصالات بين قادة الجيوش، وبعد تكبد الهند خسائر جسيمة هرعت لوقف الحرب بالتشاور بين البلدين، وبإعطاء ترامب فضلا شكليا، حتى يقال إنها الوساطة الأمريكية التي أوقفت المواجهات.
– وأخيرا فإن اتفاقية السلام بين رواندا والكونغو من إنجاز الوساطات الافريقية عامة والقطرية خاصة، التي جمعت الرئيسين في الدوحة يوم 18 مارس. وبعدها تم لقاء وزاري بين البلدين في أبريل، وفي أوائل مايو كانت الاتفاقية جاهزة قيد التوقيع فقفز ترامب ليأخذ الفضل.
وفي رأينا أن ترامب كي يحصل على جائزة نوبل أمامه تحديان حقيقيان في أوكرانيا وفلسطين. السلام في الحالتين لا يعني وقف إطلاق النار، بل التوصل إلى اتفاقية سلام شاملة بين روسيا وأوكرانيا تحل النزاع من جذوره، واتفاقية سلام في فلسطين تنتهي بإقامة دولة فلسطينية حرة وذات سيادة ومترابطة وقابلة للحياة وتربط غزة بالضفة وتكون القدس الشرقية عاصمة لها. فهل سينجح في هذا الاختبار الصعب؟ أشك كثيرا.