نعم لهدنة الستين يوماً

سهيل كيوان

حرير- في الاتصالات والمباحثات لوقف حرب الإبادة على سكان قطاع غزة، يقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جوائز تشجيعية لحكومة الاحتلال الفاشية، كي توافق على وقفٍ لإطلاق النار لستين يوماً. المفاوضات في الواقع هي على الجوائز التي تُعرَض مقابل وقف الإبادة، أو التخفيف من حدتها مؤقتاً، والجوائز المقترحة هي تطبيع ووقف حالة عداء مع عدد من الدول العربية والإسلامية، وغيرها من جوائز، الخاصة والعامة.

هذه الإنجازات لها مفاعيلها داخل المُجتمع الإسرائيلي، فهي تمنح دفعة إلى المزيد من التطرف، فالنتائج تؤكد النظرية العُنصرية التي باتت نهجاً «أثبت صحته»، وهو ما يتشدق به نجوم وضيوف البرامج، من المحللين على الفضائيات الإسرائيلية. «العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، وحيثُ لم تنفع القوة، يجب زيادة القوة»، وها هي البراهين تأتي تباعاً، فالسلام لا يتحقق إلا بالقوة.

في الوقت ذاته، فإن وقف حرب الإبادة يُعتبر غطاءً للراغبين في التطبيع. لأن التطبيع في ظل حرب الإبادة يفتقر إلى الحد الأدنى من المنطق السياسي. لا نتحدث عن موقف عروبي أو إسلامي، أو حتى إنساني.

الصفقة عموماً هي إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح أعداد من الأسرى الفلسطينيين، حيث يجري التفاوض على عددهم، وتوقيت إطلاقهم، ووقف القتال لستين يوماً، مع إضافة بند غامض، يتحدث عن مفاوضات خلال الهدنة لأجل التوصل إلى وقف دائمٍ لإطلاق النار.

يكافَأ بن غفير وسموتريتش ونتنياهو وحكومتهم الفاشية على احتقارهم للعرب، بمزيد من التطبيع والاتفاقات والمعاهدات، وفوقها تحميل المقاومة مسؤولية حرب الإبادة، وحتى هذا لا يرضون به، ويرفضون، ويحرضون ضد المقترح المصري القطري لهدنة الستين يوماً. لأن في هذا تعطيل لقتل حوالي ستة آلاف فلسطيني، على أساس أن المعدل اليومي للشهداء بات مئة شهيد في اليوم الواحد، ومثلهم جرحى ومفقودون. يُفترض بالمقاومة أن توافق على مقترح الستين يوماً، كي يلملم الناس جراحهم، ويدفنوا شهداءهم، وإتاحة دخول المساعدات الإنسانية بصورة منتظمة، ومن غير مجازر الطحين اليومية، والمُذلة لكل من يجري في عروقه دمٌ إنساني. حتى الآن لم توافق الحكومة الكاهانية رسمياً، وهناك محاولات مهمة لعرقلة الصفقة، وضغوطات على نتنياهو لرفضها من داخل حكومته، ولكن ترامب الذي سيجتمع به سيضغط عليه للموافقة. نتنياهو حصل على مكافآت وموعود بأخرى، أولها طلب ترامب إلغاء محاكمته في قضايا الفساد ومنحه عفواً من قِبَل رئيس دولة الاحتلال، إضافة إلى مكافآت التطبيع مع بعض الأنظمة العربية والإسلامية، التي سوف تمهد لتساعده في التملص من محكمة الجنايات الدولية، فمحاكمته مع شركائه في جرائم الحرب ليست مضمونة، ولا يبدو أن الأمر قابلٌ للتحقق في الأفق المنظور والبعيد.

النجاح في محاكمة نتنياهو وشركائه في محكمة دولية، يتطلب تغييراً جذرياً في النظام العالمي، الذي تضبط إيقاعه أمريكا، خصوصاً دونالد ترامب وما يمثله من نهجٍ منحاز وعنصري واستعلائي.

القبول بوقف الحرب لستين يوماً وإطلاق سراح الرهائن هو الخطوة الأقل ضرراً على المقاومة. الجمهور في قطاع غزة بات يائساً من إمكانية وقف الإبادة، والأصوات التي تحمّل المقاومة المسؤولية في تزايدٍ مستمرٍ، بسبب الضرورة والأثمان الباهظة التي يدفعونها، وليس لقناعتهم بأن المقاومة هي المُذنبة. صحيح أن هناك من يحرض هذه الأصوات، وله مآربه السياسية، ولكن الإجرام فاق الخيال في رداءته، هنالك قطاعات من مؤيدي المقاومة، باتوا يرون من العبث التمسك بالرهائن بينما يُقتل ويجرحُ المئات من الناس في كل يوم، حتى بات الحصولُ على كيس طحينٍ مغامرة يدفع الإنسان روحه ثمناً لها. قطاعات واسعة من الناس تدعو إلى الموافقة على إطلاق سراح الرهائن مقابل هدنة ستين يوماً، حتى من دون التزام إسرائيلي بوقفٍ دائمٍ للحرب. الاحتلال لن يقبل بإعلان التزام رسمي بوقف دائم للحرب، مقابل إطلاق سراح الرهائن. حكومة الاحتلال قد توافق على المقترح المصري القطري إرضاء لترامب، وللداخل الإسرائيلي، ولكنها تريد استئناف حرب الإبادة بعد انتهاء الستين يوماً المقترحة. ورغم ذلك فإن إطلاق سراح الرهائن يسحب إلى درجة كبيرة الذريعة المُعلنة لحرب الإبادة. صحيح أن الحرب سوف تُستأنف على الأرجح، وستكون الذريعة نزع سلاح حماس وتفكيكها، وهو ما تتفق عليه الحكومة والمعارضة في إسرائيل اليوم، تحرير الرهائن أولا، ومن ثم العمل على تفكيك بُنية المقاومة ونزع سلاحها والتخلص النهائي منها، إلا أن ذريعة «تحرير الرهائن» التي استخدمت حتى الآن، لن تكون موجودة، وسيكون من حق المقاومة أن تدافع عن نفسها، على الأقل أمام جمهور قطاع غزة المنكوب، وستكون حرب الإبادة واضحة المعالم من غير أقنعة ولا ذرائع.

خلال ستين يوماً، هنالك مكان لترميم مستشفيات ومرافق عامة والتقاط الناس لأنفاسها، واستراحة من نقل الناس من مكان إلى مكان في كل يوم.

في المفاوضات خلال الهدنة، ستكون شروط الاحتلال لوقف الحرب تعجيزية. مثل تسليم السلاح، وترحيل كوادر وقيادات المقاومة عن قطاع غزة، وربما تسليم قيادات ومحاكمتها، والسماح لها بمواصلة استهداف ما تراه خطراً على أمنها. كل هذا معروف، ولكن وضع الحصار الذي تتحرك فيه المقاومة، يشير إلى أن الخيارات أمام المقاومة ضيقة جداً، وتزداد ضيقاً مرحلة بعد مرحلة، وسوف تزداد وتتفاقم ما لم تعقد صفقة الستين يوماً، خصوصاً أن ترامب يتبناها ويعتبرها صفقة جيدة من وجهة نظره، وينتظر من المقاومةِ الموافقة عليها.

المقاومة محاصرة منذ فترة طويلة، وليس لديها أي مصدر سلاح سوى ما تصنعه أيدي رجالها، وقذائف وقنابل ومخلفات من جيش الاحتلال تعيد تدويرها واستعمالها، وبعض التهريب الذي بات شبه مستحيل، بينما الصناعات الحربية الإسرائيلية مزدهرة وتصدر إلى العالم، وفوقها مخازن أمريكا المفتوحة، ومن ورائها دول كثيرة أوروبية مثل ألمانيا وغيرها لدعم دولة الاحتلال. رفض المقاومة للمقترح الحالي، سيؤدي إلى ازدياد الأصوات التي تحملها المسؤولية. من المهم للمقاومة أن توافق حتى لو أنه لا ضمانة بعد الستين يوماً لعدم استئناف الحرب، فالإبادة غير متوقفة في الحالتين، ولكنها تحرر نفسها على الأقل أمام الأهالي الذين باتوا يموتون لأجل الحصول على طعام، كذلك من أصوات عربية وفلسطينية انضمت إلى جوقة الاحتلال في تحميل مسؤولية الإبادة للمقاومة.

في الستين يوماً التي ستتوقف الحرب فيها في قطاع غزة إذا ما جرى الاتفاق، سوف تسلط الأضواء على ما يجري في الضفة الغربية، وهي عملية هدم ممنهجة وطرد سكاني وتهجير، وذلك من غير وجود ذريعة الرهائن أو الأسرى أو المُحتجزين، وهو ما بات يراه البعض روتيناً يومياً، يمكن التعايش معه، مقارنة بالإبادة التي تجري في قطاع غزة.

مقالات ذات صلة