البزنس والسياسة… عن استقالة إيلون ماسك

مدى الفاتح

حرير- لم تكن استقالة الرجل الأغنى في العالم، إيلون ماسك، من عمله وزيراً لهيئة الكفاءة الحكومية في إدارة الرئيس دونالد ترامب مفاجئة تماماً، إذ كان من الواضح أن الجمع بين دُنيا الأعمال ومهام السياسة في بلد معقّد كالولايات المتحدة سيكون صعباً. للوهلة الأولى، يبدو أن الرجل (لم يبقَ في منصبه سوى أشهر) إنما أراد أن يجرّب مجالاً جديداً لم تتح له فرص اختباره. إلا أن الحقيقة أن التجريب لم يكن من ماسك بقدر ما كان من الرئيس ترامب، الذي كان يطمح إلى أن يتولّى رجل الأعمال الناجح مهام متابعة الكفاءة الإدارية للدولة.

للتذكير، ماسك، وإلى جانب امتلاكه منصّة إكس (تويتر سابقاً) وشركة السيارات الكهربائية الشهيرة تسلا، هو أيضاً يمتلك شركةً لصناعة الصواريخ الفضائية، وحلماً يسعى إلى تحقيقه من خلال الاستحواذ (أو الشراكة) مع وكالة ناسا بوضع العلم الأميركي في أرض المرّيخ، وابتدار “السياحة الفضائية”. هذه كلّها مشاريع ناجحة، ويغري هذا النجاح بالتفكير في الاستفادة من هذه العقلية الناجحة في ما يتعلّق بالإدارة الحكومية، خصوصاً حينما يكون من أولويات الخطّة الرئاسية العملُ على تخفيض الإنفاق الحكومي، وهذا المجال بالتحديد هو محلّ لعب الشركات الكُبرى. ما لم ينتبه إليه ترامب وغيره من المتحمّسين لتعيين إيلون ماسك أن هناك اختلافاً كبيراً بين إدارة الشركات الخاصّة والمسؤولية عن المؤسّسات الحكومية. ففي الحالة الأولى يسهل، على سبيل المثال، تخفيض أعداد الموظفين والعاملين، فيما يكون الأمر أصعب بالنسبة للدوائر الحكومية. في هذا الصدد، تقول النكتة، المتداولة بعد استقالة ماسك، إن الرجل الذي حاول تخفيض العاملين في الدولة خُفِّض.

ربّما يكون ماسك استفاد من اقترابه من الحكومة ومن الرئيس ترامب الذي يلتقي معه في أفكاره اليمينية، خصوصاً المتعلّقة برفض المثلية والتحوّل الجنسي، لكنّ الأكيد أن ترامب أيضاً استفاد من علاقته بالملياردير الشهير، سواء بدعم ماسك له بكثير من الأموال خلال الحملة الانتخابية، أو من خلال منصّةً حرّةً (إكس) يناقش فيها الرئيس أفكاره ويلتقي فيها جمهوره، وهو الذي كان مُحارَباً من الإعلام التقليدي ومن وسائل التواصل التي اتجهت إلى حظر صفحاته الشخصية في منصّاتها. كان الاشتراك في الانحياز للأفكار اليمينية مما يجمع كلاً من ترامب وماسك، ويقلق متابعي تحالفهما. ماسك كان متحمّساً إلى درجة أنه سعى إلى دعم مرشّحي اليمين في أوروبا، إذ ظهرت، على سبيل المثال، في مخاطبة سياسية لحزب البديل الألماني المتطرّف. لم يكن هذا الدعم الواضح للتيّارات اليمينية غير المحبوبة سياسياً الأمر الوحيد الذي جعل شعبية ماسك تقلّ في أوساط غربية كثيرة، فقد سبقها انحياز الرجل (كان يُنظر إليه شخصاً مهموماً بالبيئة بعد مساهمته في تطوير السيارات الكهربائية) إلى الرئيس المعروف بأنه لا يعترف بالتغيّر المناخي ولا بالانحباس الحراري. أثّر ذلك كلّه في أعداد مبيعات السيارات في أوروبا، وحتى في الولايات المتحدة، إذ انخفضت إلى مستوىً غير مسبوق مقارنةً بالفترات السابقة. كانت المحصّلة أن تراجعت المكانة التجارية لعلامة تسلا، وهو الأمر الذي لا يبدو أن ماسك كان يحسب حسابه.

وضع بعضهم تفسيرات أخرى لهذه الاستقالة التي جاءت بعد فترة تمتّع فيها الرجلان بعلاقة خاصّة، كان ماسك يثني فيها على ترامب، فيما كان الأخير يصفه بـ”النجم”. أكثر هذه التفسيرات أهميةً كان فشل ماسك في تحقيق النمو الاقتصادي الموعود أو حتى تخفيض النفقات بشكل مؤثّر.

بالتزامن مع خبر الاستقالة، كانت صحف أميركية (مثل نيويورك تايمز ومينيسوتا ستار تريبيون) تعنون قائلةً إن ماسك تعاطى المخدّرات بشكل مفرط العام الماضي إبّان الحملة الانتخابية، وإنه ظلّ يسافر بحقيبة مليئة بالعقاقير. الطريف في الأمر أن الملياردير الأشهر لم ينكر تعاطيه المخدّرات في فترة سابقة، لكنّه اعتبر أن الكمّيات التي كان يتعاطاها لم تكن كبيرةً، وأنها تعلّقت بعقار كيتامين، كان يأخذه بناءً على وصفة طبّية للمساعدة في تجاوز الإكتئاب. نقّاد ماسك بالمقابل كانوا يلفتون النظر إلى أن تعاطيه أنواعاً مختلفةً من المخدّرات ليس أمراً جديداً، بل طُرح منذ وقت طويل، وتحدثت عنه سابقاً نساء مرتبطات. وربما كانت مسألة تعاطي المخدّرات تشرح الطريقة المريبة التي كان ماسك يتحدّث بها إبّان المؤتمرات الصحافية، وإلى لغة جسده التي كانت توضّح أنه ليس في حالة طبيعية متّزنة. من هذا على سبيل المثال، محاكاته طريقة التحية النازية التي كان يؤدّيها هتلر، الأمر الذي جلب له عاصفةً من الانتقاد، خاصّةً من القيادات الأوروبية. لم يكن من الممكن أن يفوّت الصحافيون فرصةَ حفل وداع ماسك من دون التساؤل عما نشره الإعلام بشأن علاقته بالمخدّرات. وقد تهرّب من الإجابة ساخراً من صحيفة نيويورك تايمز التي اتهمها باختلاق الأكاذيب. ترامب، وفي إجابة عن سؤال ما إذا كان يعلم بشأن تعاطي ماسك المخدّرات، أفاد بأنه لم يكن يعلم، لكنّه سرعان ما قفز عن الأمر بسرعة متابعاً مدح ماسك وثناءه على عمله خلال الفترة الماضية.

أيّاً كان الأمر، تلاقي تجربة إيلون ماسك السياسية القصيرة اهتماماً عالمياً متزايداً، وتدفع دولاً كثيرة كانت تريد تكرار التجربة إلى أن تتريّث في الأمر. يعيد هذا كلّه إلى الأذهان الحقيقة إن الأكاديمي الناجح قد لا يكون بالضرورة سياسياً ناجحاً، وكذلك حين يتعلّق الأمر برجال الأعمال، فثبت أن تجربة الاستوزار كانت خصماً لشعبية ماسك وأعماله، ألقت الضوء على جوانب في شخصيته لم يكن العامّة ليكترثوا بها لولا المكانة السياسية التي حظي بها.

مقالات ذات صلة