المشهد بين اليوم والأمس في غزة

أحمد عويدات

حرير- على الرغم من مضي 18 شهرا على الحرب الإجرامية النازية الفاشية الصهيونية لنتنياهو، وقادة اليمين الديني المتطرف، لم يتغير أي شيء في المشهد اليومي في غزة سوى بعض التفاصيل وتنوع جغرافية الحدث والمشهد، وانتقاله من مكان لآخر، لم يتغير المشهد بين اليوم والأمس، سوى في تزايد أعداد الضحايا والمجازر، وتفاقم آثار سياسة التجويع والتعطيش، وانتشار المزيد من الأمراض والأوبئة.

الواقع مقيم على وقع غارات الطائرات الحربية المحمّلة بالقذائف الأمريكية الحديثة الثقيلة، وقصف الطائرات المسيرة الهجومية والمفخخة، واكتساح الدبابات للمدن والمخيمات، وسط وابل من القذائف وحمم المدفعية، واتباع سياسة الأرض المحروقة والأحزمة النارية الكثيفة، وكل ذلك مترافقا مع تزاحم التصاريح والبيانات والخطابات الرنانة، والوعود الزائفة، والتهديدات الهادرة لقادة الاحتلال والإجرام وداعميهم من وراء البحار، وعواصم الكذب والنفاق والتشدق بحقوق الإنسان وقيم العدالة والمساواة.

لم يتغير شيء، بل بقي الصمت والتخاذل سيد الموقف؛ الصمت العالمي واللامبالاة، وتخاذل إخوة الدم قبل الأشقاء المستعربين والأصدقاء الأمميين، مشهد الأمس ما زال مستمراً مع بعض التعديل الإسرائيلي، لإنجاز ما لم يتم إنجازه، وتحقيق ما لم يتم تحقيقه من حرب نتنياهو وعصابته؛ هذه الحرب التي ما زالت دون أهداف، ودون إنجازات سوى الإبداع في الإبادة والتدمير والتطهير العرقي، والكشف عن مشاريع توسعية عدوانية، والإصرار على «شرق أوسطي جديد» يبدأ من بسط السيادة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم بممر داوود وقناة بن غوريون، وربما لا ينتهي بما أعلنه وزير المالية سموتريتش المتطرف من أن دمشق جزء من القدس الكبرى عاصمة «إسرائيل»، أو إحياء أرض أجدادهم بنو قينقاع والنظير وخيبر في أرض الحجاز. هذا المشهد المتواصل ما زال يرسم تفاصيله نتنياهو، مدعوماً بطموحات رجل الصفقات ترامب نحو عالم مالي تجاري يضع العالم في قبضته، فيلتقي رئيس الاتجار بقوت وثروات العالم مع مجرم الاستثمار بالدم الفلسطيني.

جديد هذا المشهد تفاقم الانقسام الداخلي الإسرائيلي، واتساع الاحتجاجات ضد استمرار الحرب، والمطالبة بإبرام صفقة تبادل الأسرى، كذلك تزايد عرائض الاحتجاجات من مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي، ووحدات الجيش والجنود الاحتياط والمسؤولين السابقين عسكريين وأمنيين وسياسيين. وينفرد بمشهد التعنت وإدارة الظهر لمطالبهم ولمطالب العالم بأسره، نتنياهو سيد الإبادة وقادة اليمين المتطرف، ويبقى ترامب المسؤول الأول عن هذا المشهد، والمسؤول الرئيسي عن إيقاف هذه الحرب المجرمة وإطفاء نارها، بدلا من تزويد الكيان بالقذائف الثقيلة وطائرات أف 35 التي تسلمتها دولة الكيان مؤخرا، يبقى ترامب هو المسؤول الأول عن استمرار نزف الدم الفلسطيني؛ لما يقدمه من كل أسباب الدعم اللوجستي والعسكري والسياسي والدبلوماسي للدولة المارقة. وعلى الضفة الأخرى ما زال المشهد الفلسطيني مستمراً، فصيحات وصرخات الضحايا تملأ الأرجاء، ويصل صداها إلى ما وراء دول الجوار، وإلى ما وراء البحار، والدم النازف وأشلاء الضحايا يلطخ جبين البشرية لعجزها أحياناً، وصمتها أحياناً أخرى على مجازر الإبادة الجماعية واستهداف الأطفال والنساء وإحراقهم في الخيام ومراكز الإيواء التابعة لمنظمات الأمم المتحدة. ويكسر هذا الصمت صمود المقاومة في الميدان بعد سلسلة من العمليات النوعية من قنص احترافي وكمائن محكمة واستعداد تام وجهوزية عالية في العقد القتالية، وصمود حول طاولة المفاوضات، رغم العراقيل التي يضعها دائما ممثل نتنياهو فيها. ويكثر الحديث هنا وهناك عن قدرات المقاومة، وعن تحديثٍ لأنفاقٍ جديدةٍ كان جيش الاحتلال قد تعامل معها في اجتياحاته المتكررة، إضافة لعودة رشقات الصواريخ على جنوب تل أبيب وأسدود وعسقلان؛ ما يعني قدرة المقاومة على احتواء الهجوم الإسرائيلي من خلال اتباع تكتيك «الهدوء الاستراتيجي»، وبالتالي التحكم بإيقاع المعركة ومعاودة الظهور في المحاور القتالية، واقتناص الفرص المناسبة، واستدراجه إلى الكمائن المعدّة مسبقاً، على الرغم من توسيعه للمناطق العازلة، يُضاف إلى ذلك قدرة المقاومة على الرصد والمراقبة واختيار الأهداف. في مشهد آخر متكرر، نجد أن الانسداد السياسي، الذي أراده سيد الإبادة نتنياهو؛ لضمان بقائه على رأس الحكومة والإفلات من السجن، من خلال تعطيل التوصل إلى إبرام صفقة تبادل الأسرى واستخدام القوة العسكرية لفرض شروطه التعجيزية القاضية باستسلام المقاومة وتسليم سلاحها، لم يثنِ المقاومة عن مواجهته ميدانياً وإلحاق الضربات القاسية بجيشه الغازي؛ تأكيدا لصلابتها وقوتها في إفشال تعنت نتنياهو، وإخضاعه بالعودة إلى بنود المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة.

بناءً عليه، إن تغيير المشهد لا يمكن إلا أن يكون فلسطينياً عبر إيقاف الحرب، وانكفاء أهداف العدوان، ونزول نتنياهو عن الشجرة التي صعد إليها ولم يعرف حتى الآن كيف السبيل إلى النزول منها. لقد ألف شعبنا المشهد الإسرائيلي المفجع، فهل ألف نتنياهو وقادة حربه ووزرائه المتطرفين والمجتمع الإسرائيلي، المتعطش لدم الفلسطينيين، المشهد بنكهته الفلسطينية؟

مقالات ذات صلة