
«الأربعاء الأسود»… رسالة دقيقة لأهداف محددة
د. جيرار ديب
حرير- أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأربعاء 2 أبريل/نيسان الجاري، عن فرض تعريفات جمركية جديدة وواسعة النطاق، في خطوة وصفها بـ»إعلان التحرير الاقتصادي للولايات المتحدة»، حيث شملت الإجراءات فرض ضريبة بنسبة 25% على السيارات المستوردة، و20% على جميع الواردات الأخرى، مع نسب أعلى استهدفت شركاء تجاريين.
وتأمل إدارة ترامب في تقليص العجز التجاري، وتحفيز الصناعة المحلية، إلا أن التحذيرات الاقتصادية جاءت سريعة، حيث اعتبرت غرفة التجارة الأمريكية أن هذه الخطوة تمثل ضريبة واسعة على المستهلكين، وتهدد بحدوث ارتفاع حاد في الأسعار وتباطؤ اقتصادي حسبما نقلته صحيفة «وول ستريت».
الأربعاء أيضا في 2 أبريل، أعلنت الصين أنها أطلقت مناورات عسكرية جديدة واسعة في مضيق تايوان، وذلك غداة إجرائها تدريبات عسكرية تضمّنت محاكاة لفرض حصار على الجزيرة التي تطالب بها بكين. وقال شي يي المتحدث باسم القيادة الشرقية للجيش الصيني، في بيان إن هذه التدربيات الجديدة تهدف إلى «اختبار قدرات القوات في مجال تنظيم المناطق والسيطرة عليها، وفرض عمليات حصار ومراقبة مشتركة، وشنّ ضربات دقيقة على أهداف رئيسية». قال شي يي الكثير حول تلك المناورة التي ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها مناورات عسكرية كثيرة للجيش الصيني تصب جميعها في الهدف ذاته، وهو رفض إعلان تايوان استقلالها، أي بالمفهوم الصيني عدم الخروج عن مبدأ «الصين الموحدة». إنّ أهداف الصين من «الأربعاء الأسود» واضحة، ولا تحتاج كثيرا للتأويلات، فهذا مطلبها الرئيسي بمنع أي تدخل خارجي في شؤون تعتبرها الصين داخلية، وإن رفض إعطاء الجزيرة أي نوع من الاستقلالية يصبّ في هذه الخانة، لكنّ السؤال ماذا عن أهداف «الأربعاء الأسود» الأمريكي؟
قد لا تكون الصدفة هي التي جمعت القوتين العملاقتين أمريكا وبكين للتحرك الأولى اقتصاديا والثانية عسكريا في الوقت نفسه. ولكن الأكيد أن هذه المناورات تحمل الكثير من الرسائل والتي تتمحور في حدّها الأقصى حول قرار «ضم الجزر». التوقيع الترامبي لم يعد مريحا في الأوساط الدولية، إذ أثار إعلان ترامب عن رسوم جمركية جديدة، ردود فعل دولية غاضبة تحديدا من الحليف الأوروبي. حيث اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الخميس 3 أبريل الجاري، أن الرسوم الجمركية الجديدة التي أعلنها ترامب تشكل «ضربة كبيرة» للاقتصاد العالمي. لم يتزامن التحرك الصيني مع التحرك الأمريكي، لأنّ رفع الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية هي متوقعة، لا بل منتظرة فهي تشكل جزءا من حرب واسعة بين الطرفين، إذ إن المتوقع أن تكون الصين على رأس اللائحة التي قدمها ترامب وتشمل الدول التي طالتها الرسومات، لكن ما هو غير مبرر أن تطال الحليف الأوروبي بهذه النسبة المئوية المرتفعة، وكأنّ هناك رسائل عليها أن تصل إلى المعنيين في الاتحاد الأوروبي.
لم يعد خفيا ذلك الخلاف الناشب بين إدارة ترامب ودول الاتحاد الأوروبي، رغم إزالة التخوف من «فكفكة» حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وما صرّح به أمين عام حلف الناتو مارك روته، في مؤتمر صحافي في بروكسل بأن «أمريكا لن تسحب قواتها من أوروبا» كان واضحا ويصب في هذا الاتجاه، على الرغم من ذلك لم يزل التشنج قائما، لهذا تجرأ البعض وقرأ في فرض الرسوم الجمركية على دول الاتحاد الأوروبية، جزءا من المناورة التي تدخل في خانة الحرب الاقتصادية على الاتحاد. جدد الرئيس ترامب في أول خطاب له أمام الكونغرس الأمريكي ليل الثلاثاء 4 مارس/آذار الماضي، التعبير عن رغبته بأن تسيطر بلاده على غرينلاند، وأردف مع هذا قائلا، «نحن بحاجة إلى الجزيرة حقاً من أجل الأمن العالمي الدولي، وسنحصل عليها بطريقة أو بأخرى». أنسوا المزحة الأمريكية المتعلقة بموضوع قيام أمريكا بحماية الأمن العالمي والدولي، الذي استحضره ترامب من «أساطير» الأفلام الهوليوودية التي لم توفّر مشهدا إلا وكانت تخبرنا فيه عن دورها في حماية هذا الكوكب ومن عليه. فالتركيز يجب أن يتوقف عند ما ورد على لسان مارك روته، وما قاله ترامب في موضوع ضم غرينلاند «إنه سيحصل عليها بطريقة أو بأخرى». ومستبعدا «الحرب، العسكرية» كطريقة سيستخدمها ليحصل بها على الجزيرة، وسقطت طريقة «الإغراءات المالية»، من خلال مطالبته شراء الجزيرة ، وجاء الردّ الرسمي على لسان رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن من إن «غرينلاند ليست للبيع». لهذا قد تكون «الحرب الجمركية» بالنسبة إلى ترامب هي الطريق الأضمن للوصول إلى غايته مع الموقف الدنماركي في ما خصّ الجزيرة. لهذا يجد البعض أن المهادنة من قبل مسوؤلين أوروبيين، على رأسهم الفرنسي إيمانويل ماكرون والبريطاني كير ستارمر بضرورة اعتماد الهدوء والابتعاد عن التشنجات، دلالة دبلوماسية واضحة من الجانب الأوروبي، وأن كل الطروحات «المستحيلة» التي طرحها ترامب أصبحت في خانة المقبولة». لهذا فمن المؤكد أن المناورات الصينية قد تتكرر لتعقيد المشهدية المرتبطة بالجزيرة، ولكن السؤال هل ستكون هناك مساواة بين الرسوم الجمركية وإجبار أوروبا والدنمارك بشكل خاص على التنازل عن الجزيرة؟