
تليلان يكشف ظاهرة أمراض الأحزاب ومآلاتها (3-9)
د. أسامة تليلان
الديمقراطية الداخلية ..
يمثل ضعف الديمقراطية الداخلية أحد الأمراض المتعددة الأسباب والأعراض التي تعاني منها العديد من الأحزاب في التجارب المختلفة، بسبب ضعف الاهتمام بضمان التدابير الأساسية لحماية هذه الديمقراطية في أنظمة الأحزاب الأساسية، وبفعل غياب الحوكمة، وضبابية بعض الأنظمة الأساسية بحيث يتم اكسابها بالعموميات مظهر ديمقراطي وفي تفصيلاتها نقيضها.
وتظهر جوانب الضعف بشكل اساسي في عدد من الممارسات في المفاصل المهمة مثل الأنظمة الأساسية واللوائح الداخلية، وبناء القوائم للانتخابات العامة، وضعف آليات المسائلة والمتابعة، وضعف الشفافية وانقطاع العلاقة التمثيلية بين الناخب والمنتخب وبين الهيئة الناخبة والهيئة المنتخبة.
ومن الأعراض العامة لهذا الخلل سيطرة مجموعة صغيرة أو فرد واحد (الزعيم أو القائد الفذ) على صنع القرارات، والتلاعب بالانتخابات لاختيار القيادات، أو إجراؤها بشكل صوري، أو سيطرة شلة على نتائجها، وعدم إشراك القواعد الحزبية في رسم السياسات، وتقييد حرية التعبير داخل الحزب، وعدم السماح بظهور تيارات داخلية مختلفة، وتهميش أو معاقبة من يطرح آراء معارضة بمعنى آخر قمع المعارضة الداخلية … الخ.
وهكذا يؤدي ضعف الديمقراطية الداخلية الى تركيز السلطة والمهام بيد عدد محدود مما يقلل من مشاركة الأعضاء، ويحد من تمثيل مختلف الآراء، ويتحول الحزب تدريجياً إلى كيان مركزي مريض يتحكم فيه زعيم واحد أو مجموعة صغيرة مما يخلق بيئة قائمة على الإقصاء بدلاً من الحوار والتوافق.
وعندما لا يشعر الأعضاء والهيئات بإن لهم دور في اتخاذ القرار وعندما تهمش الكفاءات وتغيب الشفافية عن إدارة الحزب، تزداد احتمالات الانقسامات والخلافات وفقدان الثقة، وتتراجع فعالية الحزب في العمل السياسي والاجتماعي، وتقل قدرته في التأثير في المشهد الوطني العام، وتزداد احتمالات مغادرة الأعضاء الفاعلين والنوعيين مما يؤدي الى تآكل الحزب من الداخل وتراجع الثقة بجدوى العمل السياسي الحزبي بشكل عام.
وعلى الصعيد الخارجي (المجتمع)، يكرس غياب الديمقراطية الداخلية ثقافة وصورة سلبية عن الأحزاب وعن جدوى العمل العام، ويعزز من فقدان الثقة بها والثقة بالقدرة على التغيير ووصول قيادات جديدة خصوصا من فئة الشباب، ويتعمق الشعور بالتهميش وتغذية الثقافة السلطوية وعزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات أو منحها أصواتهم.