الملف النووي الإيراني في ظل ولاية ترامب الثانية

صادق الطائي

حرير- مع تنصيب الرئيس دونالد ترامب وتدشينه ولايته الثانية، تركزت أنظار المراقبين على ما سيؤول له ملف المشروع النووي الإيراني، الذي تعثرت مفاوضاته طوال حقبة الرئيس بايدن. إذ تضاربت تصريحات الرئيس ترامب وتراوحت ما بين التهديد بالحرب، والسعي الحثيث لتجنب الحرب والقبول بالحلول الدبلوماسية . هذا التعاطي المتضارب مع هذا الملف الشائك، جعل المحللين والمراقبين يتخبطون في قراءة معطيات إدارة ترامب الثانية مع الملف النووي الإيراني.

ولا حاجة إلى التذكير بموقف الرئيس ترامب في ولايته الأولى من هذا الملف، إذ بات من المعروف أن سياسة ترامب تجاه هذا الملف تمثلت بانسحابه من الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس الأسبق باراك أوباما، ثم ممارسة سياسة الضغط الأقصى على إيران منذ أيار/مايو 2018، كذلك مارست إدارة ترامب ضغوطا كبيرة على مجموعة دول (5+1) لتصيب الاتفاق النووي بالشلل طوال الفترة الماضية.

البعض قال إن ترامب في ولايته الثانية سيعاود ممارسة سياسة الضغط الأقصى مجددا لخنق النظام الإيراني وصولا لإطاحته، وربما توقع هؤلاء المراقبون وصول التصعيد إلى استخدام الضربات العسكرية لتدمير البنية التحتية للمشروع النووي الإيراني، وهذا الرأي مبني على تصريحات سابقة للرئيس ترامب إبان حملته الانتخابية الأخيرة، ففي يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر أثناء حدث انتخابي في نورث كارولينا قال؛ إن «إسرائيل يجب أن تضرب المنشآت النووية الإيرانية، ردا على وابل الصواريخ الأخير الذي أطلقته إيران تجاه إسرائيل». كما رفض ترامب في مقابلة أجراها مع مجلة «تايم» الأمريكية يوم الخميس 12 كانون الأول/ديسمبر الماضي، عدم استبعاد احتمال اندلاع حرب مع إيران، على الرغم من أن تصريحات حملته الانتخابية كانت تعارض استخدام القوة للإطاحة بالنظام الإيراني، لكن الرئيس ترامب أجاب مراسل مجلة «تايم» عندما سأله عن احتمال اندلاع حرب مع إيران، في إشارة إلى مزاعم وكالات إنفاذ القانون الأمريكية، أن إيران سعت إلى اغتياله، رد ترامب: «أي شيء يمكن أن يحدث. إنه وضع متقلب للغاية».

لكن وكما هو معروف للمراقبين، أن تصريحات الحملات الانتخابية تختلف قليلا، أو كثيرا عن تصريحات ترامب، بعد أن يدخل إلى البيت الأبيض. وقد قرأ عدد من المراقبين أمر تعيين ترامب للمحامي اليهودي النيويوركي ستيف ويتكوف الداعم لحكومة نتنياهو اليمينية مبعوثا خاصا للشرق الأوسط، بتضارب كبير، حيث ذكرت مصادر مطلعة لصحيفة «فايننشال تايمز» أن الرئيس ترامب يعتزم تكليف مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بإدارة الملف الإيراني، ما يشير إلى أن الرئيس مستعد لاختبار الدبلوماسية قبل تصعيد الضغط على طهران. وأوضحت الصحيفة أنه من المتوقع أن يقود ويتكوف الجهود المتعلقة ببرنامج إيران النووي كجزء من رؤية ترامب الأوسع لـ»وقف الحروب» في المنطقة. ومع ذلك، أشار ترامب ومستشاروه في اجتماعات أولية إلى أنهم يرغبون في إبقاء خيار تجنب مواجهة أوسع مع إيران مفتوحا. لكن البعض قرأ تعيين ويتكوف، وهو محامٍ متخصص في الشؤون العقارية والضرائب، ولا يمتلك أية خبرة في ملفات الشرق الاوسط، مسؤولا عن الملف الأخطر في المنطقة، الملف النووي الإيراني، قرأوا هذا الامر على أنه تعيين يهودي يميني متماه مع طموحات حكومة نتنياهو، ومتعاون معها في تصعيد التوتر إلى حد احتمال الوصول إلى ضربات عسكرية. لكن ينبغي أن نوضح جانبا من تقلبات ترامب، حتى بشأن تعيينه ويتكوف في تولي هذا الملف المهم. إذ سأله الصحافيون في المكتب البيضاوي يوم الخميس 23 يناير/كانون الثاني الجاري عما إذا كان يريد من ستيف ويتكوف أن يتفاوض بشكل مباشر مع إيران، وأن الرئيس يخطط لجعله يتولى الدبلوماسية الأمريكية مع طهران. أجاب ترامب: «لا، لكنه بالتأكيد شخص سأستخدمه».

كذلك نقلت تصريحات ترامب المتقلبة في هذا الشأن التوقعات إلى اتجاه آخر، إذ أجاب على سؤال الصحافيين عن دعمه لضربة إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، فقال:» لن أجيب على ذلك»، وأضاف أنه سيعقد اجتماعات مع العديد من كبار المسؤولين بشأن هذه المسألة قريبا، ثم علق قائلا: «آمل أن يتم حل هذا الأمر دون الحاجة إلى القلق بشأنه. سيكون من الرائع حقا أن يتم حل هذا الأمر من دون الحاجة إلى اتخاذ هذه الخطوة الإضافية». وقال: «آمل أن تتوصل إيران إلى اتفاق، وإذا لم تتوصل إلى اتفاق فلا بأس بذلك أيضا».

من جانب آخر جاءت تصريحات نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، كاشفة عندما سلط الضوء على موقف الرئيس ترامب من ملف إيران النووي. إذ أشار ظريف، إلى أن الرئيس الأمريكي العائد لم يُعد تعيين صقور إدارته السابقة مجددا مثل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، اللذين أقنعاه في عام 2018 بالانسحاب من الاتفاق النووي، على أساس أن الانسحاب من شأنه أن يؤدي إلى انهيار النظام الإيراني.

وقد أطلق ظريف تصريحا خطيرا في معرض حديثه عن الملف النووي الإيراني عندما تحدث عن هجوم حركة المقاومة الإسلامية/حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023 فقال: «لم نكن نعرف. كنا على استعداد للقاء الأمريكيين بشأن تجديد خطة العمل الشاملة للاتفاق النووي الإيراني في يوم 9 أكتوبر، لكن هجوم حماس دمر إمكانية عقد هذا اللقاء». وأشار إلى أن «الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي جعل إيران أقرب إلى الحصول على قنبلة نووية، بما في ذلك مكونات اليورانيوم عالي التخصيب، على الرغم من أن طهران ليست مهتمة فعليا بصنع مثل هذا السلاح». وفي إشارة إلى أن المتشددين الإيرانيين ما زالوا ممسكين بزمام الملف النووي الإيراني، ذكر رئيس هيئة التفتيش عن الأسلحة النووية التابعة للأمم المتحدة، رافائيل غروسي، أن إيران تعجل مسارها في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، وقال: «قبل ذلك كانت طهران تنتج ما يقرب من سبعة كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المئة شهريا، أما الآن فإن إنتاجها يزيد عن ثلاثين كيلوغراما، أو أكثر، لذلك أعتقد أن هذا مؤشر واضح على التسارع». وأضاف غروسي أن إيران تمتلك الآن حوالي 200 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المئة وهذا مؤشر خطير. لكن محمد جواد ظريف من جانبه أوضح تداعيات الأمر على الداخل الإيراني فقال، إن استمرار العقوبات الأمريكية كان يضرب الفئات الأكثر ضعفا في إيران بشدة، وأصر على أن إيران لا تريد أن تصبح قوة نووية. وأضاف: «إذا أردنا بناء سلاح نووي، لكان بإمكاننا القيام بذلك منذ فترة طويلة». كما أعطى الانطباع بأن المجتمع الإيراني يتحرر، قائلاً إنه يمكن رؤية النساء في الشارع الآن، من دون أن يرتدين الحجاب. وقال إن القيادة الإيرانية قررت عدم الضغط على النساء لطاعة القانون. وأشار واصفا الأمر: «إنها خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها بالتأكيد ليست كافية».

من جانبه اعترف ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي الجديد في إدارة ترامب، بوجود انقسامات في طهران حول ما إذا كان الاتفاق الجديد مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي مرغوبا فيه أم لا؟ لكن البعض يعتبر ضعف إيران الحالي، بما في ذلك حالة الكثير من دفاعاتها الجوية والصاروخية المدمرة، سببا وجيها للرضوخ لشروط تفاوض جديدة تفرضها إدارة ترامب في ولايته الثانية. مع العلم أن اتخاذ قرار حاسم في مستقبل الملف النووي الإيراني بات أمرا لا مفر منه، حيث حدّد القرار الأممي 2231 في البند الثامن منه مدة صلاحية الاتفاق، بحيث تمتد لعشرة أعوام، وستنتهي في 18 أكتوبر من هذا العام وعندها سيكون المجتمع الدولي بحاجة إلى موقف قانوني جديد في هذا الملف الشائك.

مقالات ذات صلة