عملية «حزب الله» والجدل بشأنها

حرير- الهجوم الكبير الذي نفذه «حزب الله» اللبناني ضد إسرائيل، فجر الأحد، وأعلن أنه «الرد الأولي» على اغتيال القيادي فؤاد شكر، أثار موجة جديدة من الجدل في أوساط المتابعين وعموم الناس في المنطقة العربية، خاصة وأنه بدأ وانتهى قبل أن يستيقظ الكثير من الناس، أي إنه كان ضربة خاطفة وسريعة ومحدودة. وكان الرد الإسرائيلي عليها أيضاً بنفس المقدار، ولم يتطور الأمر إلى مواجهة واسعة أو إلى حربٍ شاملة.

الجدل بشأن الضربة الأخيرة هو ذاته، الذي يثور في كل مرة يُنفذ فيها الحزب أو حلفاؤه أي عملية، وهو ذات الجدل الذي ثار في شهر نيسان/ أبريل الماضي عندما نفذت إيران أول هجوم عسكري مباشر ضد إسرائيل في تاريخها، وسرعان ما تحول إلى مادة للجدل والنقاش بين خصوم «محور المقاومة» ومؤيديه. وكذا الحال أيضاً عندما تنفذ جماعة «أنصار الله» هجوماً على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر أو تلك المتجهة إلى موانئ دولة الاحتلال.

واقع الحال أن خصوم «حزب الله» وإيران يستخدمون في نقدهم «قصة جحا» الشهيرة المعروفة في التراث العربي، إذ كان جحا يسير مع والده وحماره فعندما كان راكباً انتقدوه بسبب أنه «إبنٌ عاق» يركب ويترك والده يمشي على قدميه، فلما نزل ماشياً وجعل والده يركب على الحمار انتقدوه لأن «الأب ليس لديه رحمة بابنه الضعيف»، فلما نزل الاثنان وتركا الحمار يمشي دون راكب قال الناقدون: «يا لهما من غبيان أنهكا نفسيهما بالمشي وتركا الحمار الذي خُلق لنركب عليه»، فلما ركب الأب والابن على الحمار وسارا قال الناقدون: «يا ويحهما فليس لديهما شفقة، وهل يستطيعُ الحمار أن يحمل راكبين معاً».. والخلاصة أن عين الناقد غير الراضي لا يُمكن إلا أن تجد ما تنفذ إليه، أو بعبارة أخرى فإن إرضاء الناس غاية لا تُدرك.

خصوم «حزب الله» وإيران يستخدمون نفس منهج ناقدي «جحا» تماماً؛ فإذا التزم «حزب الله» الصمت واكتفى بالقول «نحتفظ بحق الرد» سخروا منه ومن إمكاناته ومن قواته. وإذا رد بالفعل وكان الردُ محدوداً ومدروساً سخروا من نتائج الرد وحجم الضربة وكالوا له الاتهامات.. ولو دخل في حربٍ شاملة لقالوا إنه دمَّر لبنان من أجل الانتقام لمقتل رجل واحد، وهو ما قالوه بالفعل عندما اندلعت حرب العام 2006.. والحقيقة أن هؤلاء سيوجهون النقد ل«حزب الله» حتى لو رأوا السيد حسن نصر الله يُصلي بالناس إماماً داخل المسجد الأقصى!

بعيداً عن هذه المقاربات التي يطرحها «جمهور جحا» على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن أي تحليل لعملية «يوم الأربعين» التي نفذها «حزب الله» يجب أن ينطلق من المعطيات التالية:

أولاً: إطلاق 340 صاروخاً من لبنان باتجاه 11 موقعاً عسكرياً إسرائيلياً، مع رد إسرائيلي محدود جداً بل يكاد لا يُرى، يؤكد أن المنطقة برمتها تغيرت، وأن قواعد الصراع تبدلت، وأن قواعد الاشتباك التي كانت سابقاً بين إسرائيل والقوى المضادة لها في المنطقة قد تبدلت تماماً. فحتى يوم السابع من أكتوبر 2023 كان مجرد إطلاق بالون يتسبب في حرب، وقد حدث ذلك في العام 2021 عندما اندلعت حرب مدمرة على غزة بسبب إطلاق عدة صواريخ فقط.. ودعونا لا ننسى أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أطلق بضعة صواريخ فقط باتجاه إسرائيل، وهي صواريخ دفع ثمنها غالياً وانتهى نظامه السياسي لاحقاً بسببها، أي إن إسرائيل كانت صنماً يُعبد في هذه المنطقة، أما اليوم فيستطيع «حزب الله» أن يُمطرها بمئات الصواريخ، ومن ثم تبتلع الضربة وتسكت دون رد.

ثانياً: الصراعات الكبرى لا تُقاس نتائجها مثل مباريات كرة القدم، إذ من الخطأ مقارنة عدد الضحايا في كل هجوم، ومن ثم استنتاج من هو الرابح ومن هو الخاسر. فهذه الحروب تُقاس بنتائجها الاستراتيجية وما أحدثته من تحول في المنطقة، إضافة إلى أنها حروب ردع، يحاول كل طرف فيها إحداث «توازن الرعب»، ولذلك ليس من الصواب أساساً القول إن الهجوم الإسرائيلي أسقط ثلاثة قتلى لبنانين، بينما هجوم «حزب الله» أسقط قتيلين، وعليه فإن الرابح هو إسرائيل.. هذه معادلة تصلح لكرة قدم وليس لحرب أو صراع سياسي.

ثالثاً: كان واضحاً في عملية «يوم الأربعين» أنَّ «حزب الله» لا يزال متمسكاً باستراتيجية استهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية دون المدنية، وهذا مرده أن الحزب لا يريد الدخول في حربٍ شاملة ومفتوحة، على غرار ما حدث في العام 2006، عندما استمرت الحرب 33 يوماً وطالت العاصمة بيروت. وهذه الاستراتيجية هي التي تفسر لماذا لا تُسبب عمليات «حزب الله» خسائر بشرية.. وبطبيعة الحال هذا يؤكد بالضرورة أنَّ الحزب لا علاقة له بالهجوم على «مجدل شمس»، لأن الواضح بأن لديه قرار بعدم استهداف المواقع المدنية أصلاً.

والخلاصة هو أنَّ «الرد الأولي» الذي نفذه «حزب الله» وأطلق عليه اسم «عملية يوم الأربعين» يؤكد بأن هذه المنطقة تتغير، وأن قواعد الاشتباك لم تعد كما كانت في السابق، وأنَّ إسرائيل تُنفذ الاعتداءات لكنها في المقابل تتلقى الرد، كما إنها تعرضت فجر الأحد الماضي للقصف بـ340 صاروخاً وابتلعت الضربة التي كان مثلها في السابق يُشعل حرباً شاملة.

مقالات ذات صلة