صناعة محلية بامتياز.. حسين الرواشدة

اربع اجابات وصلتنا – حتى الان – على الاسئلة التي طرحتها عملية السلط الاخيرة، الاولى ان «المشتبه» بهم الذين تورطوا فيها اردنيون ولم يتسللوا الى مجتمعنا عبر الحدود، الثانية انهم لا يرتبطون باي تنظيم ارهابي وانما كانوا متعاطفين مع داعش، الثالثة انهم شكلوا «خلية» بلغ عدد اعضائها 8 حتى الان، وتمكنوا من صناعة متفجرات وشراء اسلحة، وصمموا مخططاتهم لمباشرة تنفيذ جرائمهم حيث كانت «البروفة « البشعة الاولى في الفحيص، اما الاجابة الرابعة فهي ان «سلة» الاهداف التي خططوا لها كانت كبيرة وممتدة كما ان ما بحوزتهم من «متفجرات « كان كافيا – على ما يبدو- لتنفيذها.

حين ندقق في هذه الاجابات، نجد ان العملية الارهابية «صناعة محلية بامتياز»، فهولاء  الذين يشتبه بتورطهم فيها من جلدتنا، وقد اعتنقوا فكرة التطرف في بيوتهم واماكن عملهم  دون ان  يحتاجوا الى معلمين او مرشدين من خارج الحدود، ثم انهم باشروا صناعة ادوات تنفيذ الجريمة بايديهم وبما توافر لديهم من خبرات استقوها من  مصادرها في الانترنت، وهي متاحة، كما انهم اختاروا اهدافهم لوحدهم دوان ايعاز من قيادة تنظيمة مركزية في الخارج.
هذا – بالطبع – تحول مهم وخطير في مسار صراعنا مع التطرف والارهاب، ويفترض ان نفهمه ونتعامل مع ما يفرضه علينا من مستجدات، صحيح ان التنظيمات الارهابية مثل داعش والقاعدة ما تزال افكارها تشكل مصدر الهام للمتطرفين، وصحيح ان الجاذبية التي صنعتها لاغواء الشباب بها ما تزال تتغذى على مصادر متنوعة وبيئة منتجة ومشجعة للتطرف والارهاب، لكن الصحيح ايضا ان «عالم الارهاب» تطور وتغير، كما ان «المعجبين والاتباع كسروا عصا الطاعة التنظيمية وتمردوا احيانا على قيادتهم في اطار البحث عن فضاءات اوسع من الحرية (المسمومة ) لممارسة ادوارهم، اضف لذلك ان هذه التنظيمات انتقلت بافكارها من الواقع الجغرافي الذي انحسرت منه وانهزمت فيه الى الواقع الافتراضي على الشبكات التي اصبحت بل سقوف ولا حدود، كما ان «كتالوج» الارهابي القديم لم يعد يتضمن الصور والعلامات التي كانت مألوفة، مثل اللحية ومظاهر التدين الاخرى، فصورة الارهابي الجديد لا تختلف عن صورة اي شخص اخر، ولا تتعارض مع اي موضة «شبايبة» جديدة.
اذا، تحديد هوية «الارهابي ( والمتطرف ايضا ) اصبحت صعبة، كما ان تحديد الاماكن  التي كانت تثير الشبه حوله وتسهل الوصول اليه باتت اصعب، ومع بروز ظاهرة «ارهاب الاقارب والاصدقاء» تعقدت مهمة الامني في عملية البحث والمتابعة وجمع المعلومات عن المشتبه بهم، فالارهابيون يستخدمون احدث التقنيات في تجهيز عملياتهم،لكنهم في المقابل يحرصون على استعمال اقدم وسائل الاتصال فيما بينهم باعتبارها الاكثر امانا،كما انهم يختارون الاماكن التي يرتادونها بدقة وعناية.
ماذا يعني ان يكون عنوان العملية الاخيرة «صناعة محلية بالكامل»، دون الاعتماد على اوامر صديق او خبرة مسؤول ارهابي، او دعم اية جهة خارجية، ودون ان ننتبه الى ما يتغلغل داخل مجتمعنا من مخاضات للتطرف وتحولاته السريعة الى ارهاب ؟ الاجابة التي استطيع ان اقدمها هي اننا دخلنا في مرحلة مفصلية ومعركة خطرة مع هذه العفاريت التي خرجت من «قمقمها»، وهي لن تعود اليه الا اذا نجحنا بتمشيط «تربة» مجتمعنا بشكل صحيح وقلع ما فيه من اشواك واحساك (لا تسألني كيف؟)، اعرف انها مهمة صعبة وطويلة، لكنها ضرورية ويجب ان تكون «اولوية « على اجندة خياراتنا ومقرراتنا في كافة المجالات.

مقالات ذات صلة