
عندما أمسك “ماسك” بــ”تويتر”
سليمان المعمري
هل أدفع ثلاثة ريالات (8 دولارات) شهريّا لمنصة تويتر أم أغادرها غير مأسوف عليها؟. أظن هذا السؤال سيلحّ على كثيرين غيري في مستقبل الأيام، خاصة أولئك الرازحين تحت نير فواتير وأقساط شهرية كثيرة في زمن الغلاء والركود الاقتصادي. ولكن حتى ميسورو الحال فإن المسألة لديهم هي مسألة مبدأ. لِماذا تضطرّ لدفع إيجار بيت كنتَ تسكنه مجانًا عشر سنوات أو أكثر، لمجرد أن مالكه الجديد جشِع!، مع العلم أن هذا البيت كان ساكنوه يدرّون عليه أرباحًا تقدّر بمليارات الدولارات، لمجرد أنهم موجودون فيه، فالشركات المُعلنة الكبرى تستهدفهم هم لا صاحب البيت. وإذن؛ فإن إيلون ماسك الذي تشدّق بأن سعيه للاستحواذ على تويتر “لا يتعلق بالمال”، بل “لخدمة الإنسانية”، يود الآن تعويض المليارات الأربعة والأربعين التي دفعها لهذا الاستحواذ، من وراء ظهورنا نحن المستخدمين المساكين، مصوِّرًا لنا أن “تويتر” سيتحوّل بدولاراتنا الثمانية التي سيسحبها كل شهر إلى جنة، إذْ سيحوّله –كما يقول- إلى تطبيق يقدم خدمات عديدة بدءًا من تحويل الأموال إلى التسوق وخدمات طلب سيارات الركّاب، كما أنه يعد الدافعين لهذه الرسوم بالحصول على الأولوية في الردود والبحث، وإمكانية تعديل التغريدات، بالإضافة إلى تمكنهم من نشر فيديوهات ورسائل صوتية أطول، مع إراحتهم من نصف الإعلانات التي تظهر للمستخدمين دون اشتراك، بل إنه يعد صانعي المحتوى بمكافآت مادية. ولكن هل ستغري كل هذه المميزات الناس بدفع الرسوم؟. ننتظر لنرى.
قبل عدة أشهر، (تحديدًا في أبريل 2022م) عندما وقّع إيلون ماسك، الملياردير الأمريكي الكندي المولود في جنوب أفريقيا اتفاق شراء “تويتر” من مالكيه بمبلغ لا يتخيلونه حتى في أحلامهم، فرِح بعض الحالمين بالتغيير وهللوا، متأملين أن ينجح هذا الرجل المشهود له بالذكاء والفطنة في إصلاح تويتر، هذه المنصة التي تتفاقم مشكلاتها سنة بعد أخرى، ولا يبدو على مالكيها القدرة على مواكبة منصات أخرى تنافسها بشدة. لكن أغنى رجل في العالم الذي يبلغ عدد متابعيه على تويتر أكثر من 114 مليون متابع حتى كتابة هذه السطور، فاجأ الجميع بعد ذلك بثلاثة أشهر (أي في يوليو 2022م) بقراره التراجع عن الصفقة بحجة أنه تعرض للتضليل بشأن عدد الحسابات الوهمية في تويتر، غير آبه بمبلغ ضخم سيدفعه مقابل الشرط الجزائي للانسحاب وهو مليار دولار، الذي يمكن عدّه مبلغًا ضئيلًا لرجل بلغت ثروتُه نهاية سنة 2021م أكثر من 265 مليار حسب مجلة “فوربس”. لكن شركة تويتر لم تكتفِ بنفي مزاعم ماسك، بل رفعت عليه دعوى قضائية في محكمة بولاية ديلاوير الأمريكية ولسان حالها: “هل تظن أن الخروج من الحمّام مثل دخوله؟!”، الأمر الذي جعله يراجع حساباته ويتراجع عن التراجع مُعلنًا يوم الجمعة الماضي (28 أكتوبر 2022م) إتمام الصفقة بالمبلغ المتفق عليه سابقًا.
والآن، وقد أصبح “ماسك” ممسكًا بتويتر من رقبته، فلا أحد يعلم هل سينجح في إدارته والصعود به لأعلى مراتب النجاح، كما فعل من قبل مع شركة “تسلا” للسيارات الكهربائية التي تبلغ قيمتها السوقية اليوم ترليون دولار أمريكي، وشركة “سبيس إكس” لاستكشاف الفضاء التي تقدّر قيمتها بمائة مليار دولار. الإشارات الأولى على الأقل غير مبشرة، فها هو قد بدأ بتنفيذ خطته بالاستغناء عن نصف موظفي تويتر البالغ عددهم في نهاية أكتوبر الماضي أكثر من 7500 موظف، وها هي شركات عالمية كبرى كــ”جنرال موتورز” و”فايزر” و”فولكس واجن” أعلنت تعليق إعلاناتها في المنصّة حتى تتضح طريقة ماسك في إدارتها. وحتى إعلانه عن إتاحته حرية تعبير أكبر في المنصّة، على أهميته، إلا أنه من غير الواضح هل سيكون حقيقيّا أم لا، خصوصًا أن إعلانه أن تويتر سيشكّل مجلسًا جديدًا لمراقبة المحتوى، يذكّرنا على الفور بالمجلس سيء الذكر الذي شكّله فيسبوك فصارت مهمته الأساسية إسكات كل من ينتقد إسرائيل ويدافع عن عدالة القضية الفلسطينية.
في الحقيقة، لا أنكر أنني أحب “تويتر” وأرتاح إليه، ولكن طبعا ليس كارتياحي لمنصة “فيس بوك”. الأخير في نظري هو فسحة البوح والهدوء والتأمل (نسبيا طبعا، إذ أن ذلك يعتمد على نوعية المنشورات، وطريقة التفاعل معها)، أما تويتر فهو الضجيج والصراخ والتنمر وفن الحذف، وعندما أقول “الحذف” فأنا لا أعني حذف التغريدات أو المغردين المزعجين (رغم أن هذا يحصل بكثافة طبعًا)، بل محاولة قول الفكرة بأقل عدد ممكن من الكلمات بسبب الحروف القليلة التي تتيحها المنصة للتغريدة. ومع ذلك أشعر بالمرارة لمجرد فكرة ترك الطائر الأزرق الذي حلّقتُ معه منذ عام 2013م، ربما لأنني خُلِقتُ أَلوفًا كما سيدنا المتنبي، لكن لا حلّ آخر، خصوصًا إذا ما أغرت “ماسك” أرباح الرسوم على توثيق الحساب فعممها على الحساب ككل. في هذه الحالة ليس أمامي وكثيرين غيري إلا التشبث بقول الشاعر: “إذا لم تستطع شيئًا فدعه، وجاوزه إلى ما تستطيع”.
جريدة عمان. عدد الأحد 6 نوفمبر 2022م:
https://bit.ly/3T6CIqW



