اقترب الفجر

د. هاشم غرايبة

حرير- الآن، ومع مرور شهرين على الطوفــان الذي كان أعظم حدث أهتز له العالم، انجلى لنا شيئا فشيئا بعض مدلولات وصف الله تعالى لمكر أعداء الله، بأنهم يسعون من ورائه لإزالة الجبال الشامخات، فمن كان كذلك فلا شك أن قدراته هائلة، وأطماعه أعظم من أن تحد.

تمكن إعلام هؤلاء من السيطرة التامة على عقول أغلب أهل الأرض، والذين هم بالطبع غير مؤمنين، لذلك فهم لا يعقلون، وهذه التوصيف أطلقه عليهم رب العزة الأعلم بطبائع البشر، إذ لو كانوا يحتكمون الى عقولهم أصلا وليس الى غرائزهم لاهتدوا فآمنوا.

لكنهم أما وأنهم انساقوا وراء الشهوات، فذلك يعني (قلة عقل)، بغض النظر أن من بينهم علماء ومفكرين، فهم الى الأنعام أقرب: “أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا” [الفرقان:44]، فالأنعام بلا عقل، فتنقاد الى غرائزها.

من هنا كان سهلا تضليل هؤلاء، فرأينا كيف تقلب المفاهيم الى عكس معناها، فالمقاوم للغزاة المدافع عن أرضه وأهله بات مسماه إرهابيـ-ـا، والتنكيل بالمدنيين العزل وتدمير البيوت والمستشفيات ودور العبادة أصبح مقبولا بل ومحبذا، واسمه حق الدفاع عن النفس.

لكن ومهما عم ذلك وطغى، فمن الصعب إدامة العمى عن رؤية المجازر، والصمم عن سماع أنّات الأطفال، فرأينا التحول ينتشر تدريجيا، وأصبحت الأصوات التي تطالب بشيء من العدالة تتعالى في الغرب، بعد أن ظلت مخنوقة طوال أيام العدوان الماضية، وكانت بدايتها الدعوات لمقاطعة منتجات الشركات المتبرعة للكيان اللقيط، ثم المسيرات التي عمت شوارع العالم دعما للصامدين في وجه الطغيان، وأحدثها الدعوة الى إضراب عام في كافة أقطار العالم اليوم الإثنين.

بالطبع هذه من أدنى درجات الدعم للحق والتصدي للباطل، إلا أنها في ظل السيطرة الطاغية لصوت أهل الباطل، تبقى من أضعف الإيمان، ولا شك أنه سيكون لها تأثير في زعزعة الباطل، فهو زهوق سريع الزوال.

المفاجئ في هذه المرة أن المبادرات جميعها لم تبدأ في أقطار العرب والمسلمين، بل في ديار الغرب، ثم لحقنا بها.

لا أحد يتوقع من الإضراب العام الذي دعوا إليه سيلقى التجاوب المأمول، الذي يشل الحركة ويظهر كم هو حجم التضامن العالمي مع الذين يتعرضون للعدوان الغاشم، فالالتزام به يخالف المصلحة ويلحق به الضرر المادي، ومن يضحي بمصالحه إن تعارضت مع مبادئه في هذا الزمن قلة قليلة، لذا فلن تكون نسبتهم في ديارنا أعلى من التي في ديار الغرب، وسنرى الكثيرين عندنا يبررون تخلفهم بعدم قناعتهم بجدوى تلك الممارسات السلمية، أو أنها ستلحق الضرر بالاقتصاد أكثر مما تضر المشاركين بالعدوان، لكنها ذرائع المخلفين ذاتها عبر العصور: “سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ” [الفتح:11].

إعلان التضامن مع أهل الحق وإدانة الظالمين هو واجب مبدئي بشري، لكنه فرض كفاية على الإنسان الذي لا يعرف الله أو لا يؤمن به، ويجزئ عنهم الأحرار في كل مكان، إلا أنه فرض عين وواجب على كل مؤمن، لذلك فالمشاركة به تعبير إيماني، قبل أن يكون وجدانيا.

المشاركة بالتعطل عن العمل والتظاهر قد لا تكون ممكنة للكثيرين، لكن إظهار التضامن مع الداعين له وتأييد أفعالهم التضامنية ممكنة للجميع، لأن تعاظم زخمها يشجع أحرار العالم على تصعيد تصديهم لمعسكر الشر، كما يوهن هذا المعسكر ويرعبه.

وعلينا جميعا التصدي للمرجفين الخائفين على مصالحهم، بدحض أفكارهم الساعية لإشاعة الإحباط وبيان بطلانها، بالمقابل التعبير عن التأييد لهذه المبادرة عن طريق وسائل التواصل المتاحة، وبالتوقف عن الشراء والبيع والتنقل في هذا اليوم إلا الضروري.

لقد طال ليل هذه الأمة، ونحمد الله أن استجاب لأدعيتنا، بأن قيض لها من عباده المخلصين (المقاومة الإسـلامية) من قدح الزناد، فندعوه تعالى أن يتم نعمته، فينصر رواد نهضة الأمة هؤلاء ويحميهم، وييسر لنا سبيل الجهاد الى جانبهم.

 

مقالات ذات صلة