كيف يختار الشباب تخصصاتهم الجامعية؟

حرير _ لم تعد الشهادة المعلقة على الجدران حلماً وحيداً في أي مجتمع، كما لم تعد مسميات التخصصات الرنانة تستهوي شباباً إلى المستقبل بعين السوق وفرص العمل.

لن نأتي بجديد إن قلنا إن البطالة أرهقت كاهل أسر وشباب لم تستطع الشهادة الجامعية أن تساندهم للدخول في سوق، يعاني أوضاعاً صعبة أدت به إلى عدم القدرة على توليد فرص عمل تجاري أعداد الخريجين من الجامعات.

الأرقام تقول إن معدل البطالة خلال الربع الأول من عام 2019 بلغ (19.0%) بارتفاع مقداره 0.6 نقطة مئوية عن الربع الأول من عام 2018 الذي كان يمثل 18.7%، حسب تقارير دائرة الإحصاءات العامة.

فيما أظهرت نتائج التقارير ذاتها أن معدل البطالة كان مرتفعا بين حملة الشهادات الجامعية (الأفراد المتعطلون ممن يحملون مؤهل بكالوريوس فأعلى مقسوما على قوة العمل لنفس المؤهل العلمي)، إذ بلغ 24.4% مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى.

هذه الارقام تدركها جيدا الحكومة، إذ أكد رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز أن مشكلة الفقر مرتبطة بشكل رئيس بالبطالة المرتفعة بين الشباب والفتيات.

والحال هذه، يطرح السؤال نفسه، كيف يختار طلبة الثانوية العامة تخصصاتهم لتأهيلهم لسوق العمل؟ وهو سؤال توجهت به $ لعدد من المعنيين في قضايا التعليم والعمل.

الناصر: التخصصات المطلوبة والمشبعة والراكدة

رئيس ديوان الخدمة المدنية سامح الناصر أشار إلى أن عملية التعامل مع التخصصات ترتبط بعدة عوامل مثل النشاط الاقتصادي والتوزيع الجغرافي والنوع الاجتماعي للقوى العاملة فهي عملية متحركة؛ فالتخصصات التي تكون مشبعة يمكن ان يتحسن الطلب عليها في حال تحسن الوضع الاقتصادي مثل التخصصات الهدفية.

وبالنسبة للتوزيع الجغرافي فما هو مطلوب مثلاً في اقليم الجنوب من الممكن أن يكون غير مطلوب في اقليم الشمال وكذلك الحال بالنسية للنوع الاجتماعي فهنالك العديد من التخصصات مطلوبة للذكور وعكس ذلك للاناث فعلى سبيل المثال المهن التعليمية بالنسبة للاناث معظمها مشبعة راكدة ولكنها مطلوبة للذكور مثل الفيزياء، الرياضيات والكيمياء، اللغة العربية، والشريعة، والجغرافيا، والتاريخ وبالنسبة للمهن التعليمية ضمن دبلوم كلية المجتمع فهي على الاطلاق راكدة لكلا الجنسين ذكورا واناثاً.

وشدد الناصر على ضرورة توجه الشباب نحو التخصصات الفنية والتقنية المهنية والتي يحتاجها سوق العمل الاردني والاقليمي وبرواتب عالية.

ودعا الناصر الطلبة الى الرجوع لدراسة التخصصات المطلوبة والمشبعة والراكدة على موقع الديوان الالكتروني والتي اطلقها بالتزامن مع اعلان نتائج الثانوية العامة واتبعها بعمل توعوي ميداني من خلال التنسيق مع هيئة شباب كلنا الاردن حيث تم زيارة كافة المحافظات والالتقاء مع طلبة الثانوية العامة في محافظاتهم.

ونوه بأنه انطلاقا من دور ومسؤولية ديوان الخدمة المدنية المجتمعية، قام باعداد دراسة منهجية منذ عام 2008 تبين واقع عملية العرض والطلب على مختلف التخصصات العلمية والتي يتم تصنيفها الى تخصصات مطلوبة او مشبعة او راكدة ويتم ادراجها على موقع الديوان الالكتروني حيث توفر مؤشرات مهمة تساعد الطالب وذويه لاختيار التخصص المناسب بما ينسجم واحتياجات سوق العمل والابتعاد عن التخصصات المشبعة والراكدة.

الزعبي: هيكلة التعليم التقني وإيقاف مئة تخصص

رئيس جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور عبداللة الزعبي قال «اننا في الجامعة وتحقيقا لرؤى جلالة الملك عبدالله واهداف الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية ومن منطلق العمل التكاملي تم التنسيق مع ديوان الخدمة المدنية والمركز الوطني لتنمية الموارد البشرية ووزارة العمل وبعد الاطلاع على فرص التشغيل المتاحة والمهن كما ورد في التقارير العالمية وجدنا أن هناك عدداً من التخصصات لا يحتاجها سوق العمل في الوقت الحاضر والمستقبل القريب».

وأضاف «من هذا المنطلق وبتشاركية مع مؤسسات القطاع الخاص قمنا بهيكلة التعليم التقني على مستوى الدرجة الجامعية المتوسطة حيث تم ايقاف وتجميد القبول بحوالي 100 تخصص لا يحتاجها سوق العمل».

غير أن الزعبي استدرك «إلا ان الجامعة وبعد الاطلاع على التجارب العالمية وبخاصة الفرنسية والألمانية وغيرهما تم استحداث 18 تخصصاً جديداً على مستوى الدرجة الجامعية المتوسطة وفيها على سبيل المثال هندسة الابنية الذكية وهندسة الانظمة الذكية وغيرهما من التخصصات كما قامت باستحداث كلية الذكاء الاصطناعي في حين ستقوم بتدريس تخصصات يحتاجها سوق العمل المحلي والاقليمي والعالمي والتي فيها تخصص الامن السيبراني (امن المعلومات الفضائي) والواقع الافتراضي وعلم البيانات، والروبوتات وغيرها من التخصصات».

ودعا الطلبة إلى الاطلاع على موقع الجامعة لجهة التخصصات المتاحة والعودة الى منشورات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وديوان الخدمة المدنية».

واشار الزعبي إلى أن الجامعة حصلت على موافقة مجلس التعليم العالي بالسماح للطلبة الموجودين على مقاعد الدراسة بالتخصصات التي لا يوجد لها فرص عمل بالمستقبل، الالتحاق ببرامج التعليم التقني والتطبيقي بحيث يستطيع الطالب الحصول على شهادتين في الوقت نفسه كما ان الجامعة لديها برنامجاً ينفذ في كافة الكليات الوطنية لغير الناجحين في الثانوية العامة لاكسابهم المهارات والكفايات التي تؤهلهم للالتحاق بسوق العمل».

التوجه نحو التخصصات الحديثة

وعاد الناصر ليؤكد ضرورة التوجه نحو التخصصات الحديثة التي تعكسها طبيعة التطور التقني والتكنولوجي في العالم باعتبار الاردن جزءاً من هذا التطور والابتعاد تماما عن التخصصات التعليمية والتربوية بالنسبة للاناث لوجود أعداد ضخمة كبيرة من الخريجين تكفي احتياجات المملكة فيها لسنوات عديدة قادمة.

وأكد أهمية دور المؤسسات الاعلامية في توعية الطلبة والشباب واسرهم بضرورة التوجه نحو التخصصات التي يحتاجها سوق العمل وتعزيز فكرة انشاء المشاريع الانتاجية الصغيرة ومتناهية الصغر ومفهوم التشغيل الذاتي، والابتعاد عن التخصصات الاكاديمية والانسانية المشبعة والراكدة، وتغيير الثقافة المجتمعية نحو الوظيفة الحكومية، خاصة الاناث اللواتي تشكل طلباتهن حوالي (75%)من اجمالي مخزون طلبات التوظيف لدى الديوان، ومعظمها في التخصصات التربوية والتعليمية.

مؤشرات كمية

ومن أهم المؤشرات الكمية التي تضمنتها دراسة واقع العرض والطلب على التخصصات العلمية في ديوان الخدمة المدنية: أن عدد طلبات التوظيف التراكمي بلغ (388889) طلباً في قاعدة بيانات الديوان وفقا للكشف التنافسي للعام 2019، والذي تم اعتماده في الترشيح للوظائف الشاغرة في الخدمة المدنية اعتبارا من نهاية شباط 2019.

فيما بلغ عدد الطلبات الجديدة التي استقبلها الديوان (36072) طلباً من خريجي المؤسسات التعليمية المحلية والخارجية ومن حملة المؤهل الجامعي ودبلوم كلية المجتمع الشامل.

وبلغ عدد التعيينات في دوائر الخدمة المدنية (8013) معينا على الكشف التنافسي لعام 2019.

أما بالنسبة للتعيينات فبلغت في المتوسط بحدود 3% خلال العقد الاخير من اجمالي عدد الطلبات الكلية في الديوان.

بينما يشكل اجمالي اعداد العاملين في الخدمة المدنية ما نسبته 13.08% من اجمالي قوة العمل، وهي النسبة التي يحرص الديوان على بقائها بهذه الحدود حيث تعتبر مكافئة للمؤشرات الدولية.

فيما تشكل أعداد العاملين في الخدمة المدنية ما نسبته 15.44% من اجمالي المشتغلين في المملكة. وهي تنسجم مع التوجهات والسياسات الحكومية في ضبط حجم الجهاز الحكومي من جهة، والتوجه نحو مفهوم التشغيل بدلا من التوظيف.

الناصر قال إن عملية التحليل لجانب العرض من التخصصات العلمية المقدمة للديوان سنويا والتي تتراوح بين (35-40) الف طلب توظيف، والتي تشكل 50% من مجمل مخرجات الناتج التعليمي السنوي، تشير الى وجود (40) تخصصاً علمياً نصفها لحملة البكالوريوس والنصف الاخر لحملة دبلوم كلية المجتمع الشامل تعتبر الأكثر كثافة واقبالا من كل الطلبة وجميعها مصنفة بالديوان بالراكدة والمشبعة وتكفي احتياجات سوق العمل المحلي لـ(10) او (15) سنة قادمة، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة تخفيض نسب القبول فيها لادنى مستوى او حتى اغلاقها لمدة 5سنوات.

مقالات ذات صلة