نقطة خطرة.. يجب أن ننتبه

حسين الرواشدة

لدى أغلبية الاردنيين قناعة بأن البلد يمر بأزمة صعبة ومعقدة، اشتبكت فيها استحقاقات داخلية مع استحقاقات خارجية، وهذا ما عكسه آخر استطلاع للرأي العام ( صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجية مطلع هذا العام) حين افاد 66 % من المستطلعة اراؤهم بان الامور لا تسير في الاتجاه الصحيح.

بعيدا عن تشخيص الحالة التي اشبعناها على مدى السنوات الماضية شرحا وتفصيلا، ابتداء من الحوارات التي جرت، الى المبادرات التي صدرت وظلت حبرا على ورق، وصولا الى الدبيب الاجتماعي الذي انتقل من داخل البيوت الى الشارع ثم تجاوز ذلك وتحول الى صراخ بأعلى الصوت، السؤال المهم الان هو : ما العمل او – بصيغة اخرى : كيف نخرج من هذه الازمة التي تتعلق بوجودنا ومستقبلنا كدولة، وليس فقط بحدودنا وما يتعلق داخلها من خلافات ومطالب واستحقاقات..؟
اشرت سابقا الى ضرورة بروز «كتلة» اردنية تاريخية تتولى مهمة التوافق على هدف واحد، كما اشرت ايضا الى اهمية انطلاق حوار وطني تحت « الخيمة» الملكية بحيث تكون الاوراق النقاشية السبعة التي اصدرها الملك ارضية للحوار ومنطلقا لصياغة برنامج وطني ملزم لكافة الاطراف، كنت اقصد من كل ذلك ان نبدأ الخطوة الاولى، وان نتوافق على المبدأ، لان استمرارنا في الدوران داخل الدوامة ذاتها ليس في مصلحة احد، كما ان «انكار « ازمتنا لم يعد ممكنا .
لتوجيه النقاش حول « المخرج « لا بد ان نعترف بان الحكومات وان اختلفت في الاسماء والمهمات والقدرات والطواقم هي «نسخ» متشابهة، وكل «الوصفات» التي تصدر بمراسيم حكومية تكاد تكون صورة طبق الاصل؟ من هنا تبرز مشروعية السؤال الذي طرحته سلفا وهو : ما الحل إذن؟ والأهم هل يمكن ان «نكيف» خطاب الناس المحتقن باتجاه «لوم» الحكومات والبرلمانات فقط؟ أم ان انعدام ثقة الناس بهذه المؤسسات سواء بسبب فشلها أو افشالها في فهم وتحقيق ما يريدونه سيدفع بالضرورة للبحث عن عناوين اخرى يجري تحميلها مسؤولية ما حدث؟.
هذه – بالطبع – نقطة خطرة يفترض ان ننتبه اليها قبل ان نستغرق في «الاحتفاء» بالبحث عن حكومة جديدة بعد وداع حكومة اخرى، وقبل ان نوجه نقاشاتنا العامة حول البرنامج المطلوب الحكومة الجديدة، أياً كان رئيسها، فالاردنيون – للاسف – أحبطوا من أداء الحكومات ومن أداء البرلمان، وحتى الذين لا تشغلهم السياسة أصبحوا «قلقين» جداً من «كارثة» الاقتصاد، مما يعني اننا أمام أزمة «مركبة» سياسياً واقتصادياً وان حلولها المطروحة في سبع – على الاقل – فشلت تماماً، بمضامينها وآلياتها.. و»اللغز» هنا أننا ما زلنا مصرين على الاستمرار في الذهاب الى «الصيدلية» ذاتها، مع ان معظم الوصفات التي تلقيناها تبدو مغشوشة تماماً.
المشكلة لا تتعلق هنا باستعصاء الحركة السياسية على صعيد الحكومة والبرلمان فقط وانما ثمة «استعصاء» آخر على صعيد الشارع والمجتمع، فقد ثبت بأنه حتى الآن غير قادر على «اختراق» الجدار الذي يطوقه، ولا على «ابداع» مضامين وآليات جديدة تدفع الى الانصات له والاستجابة لمطالبه.
البعض – بالطبع – يسعده هذا «الاستعصاء» القائم على الطرفين، وربما يستثمره لمزيد من التأجيل بانتظار ما يطرأ من مستجدات داخلية وخارجية، لكن ما لم ينتبه اليه هؤلاء هو «الاغلبية» الصامتة التي لم تخرج بعد، وسؤال «الصمت» هنا لا يمكن فهمه في ظل قراءة حصيفة للواقع الا في اتجاه واحد وهو: الانتظار الممزوج بالخوف والامل، لكنه انتظار – ربما – لا يمكن السيطرة عليه او تجييره في حساب احد.
باختصار، ثمة تجارب «حكومية» فاشلة، وثمة «حركة» غير منظمة في الشارع، وثمة «لاعبون» جدد يقفون على الشرفة، وثمة «اغلبية» ما تزال مترددة.. وكل هؤلاء جزء من المشكلة وجزء من الحل ايضاً.. اما المخرج الوحيد الذي يمكن ان ينتصر لمنطق الدولة.. فهو واحد: الاصلاح الحقيقي الذي يُدفع ثمنه بالكامل دون شعور بالخوف او الاستقواء او المنّة من أحد على أحد.
لقد جربنا كل ما لدينا من خيارات، فيما بقي خيار «الفرصة الاخيرة» هذا الذي ما زلنا نصرّ على الابتعاد عنه.. رغم ان ثمنه ارخص بكثير مما دفعنا في السنوات الماضية.. ومما سندفع مستقبلا اذا لم ننتبه لما يتغلغل داخل مجتمعنا من أنين وفي الخارج من نحيب وصراخ.

مقالات ذات صلة